في العلاقات الشخصية يُمارس الأهل و المجتمع أحيانا كثيرة ما قد يُوصف بـ" الإبتزاز العاطفي " في محاولة منهم للتأثير على قراراتك الحياتية, و على أخذ طريق يتناسب مع أفكارهم.
جميعنا قد يكون خضع لبعض تلك الإبتزازات في وقتٍ ما أو قاومها.
في الحياة السياسية الأمر لم يختلف كثيرا,فتم ممارسة ذلك الإبتزاز بطريقة مُتكررة على كل صاحب رأي, سواء كان من مشاهيرهم أومن المغمورين.
البعض أطلق على ذلك كلمة " مزايدة" و تم استخدامها على نطاق واسع تبريرا لمهادنات و صفقات و مصالح شخصية داست على مبادئ عدة في طريقها, لكنها اسُتخدمت أيضا لتحويل بعض المواقف الشخصية التي لاتتعارض مع الأفكار المبدئية في شيء, لتتخذ مسارا مُهادنا للبعض, سواء كان هؤلاء البعض ثوارا, أو عوام الناس.
بداية من تولي الإخوان الحكم في مصر زادت تلك الوتيرة من الإبتزاز بشكل واضح, على الثوار عامةً, و على عاصري الليمون خاصة,فأصبح لوم فعل الثورة الذي أتى بالإخوان أو انتخاب مرسي, سيفا مُسلطا على رقاب الثوار و على من انتخبوا مرسي, و أصبحوا مُطالبين كل يوم أن يُعلنوا عداوتهم للإخوان بأكثر الطرق وضوحا, بل و تلك الطرق الواضحة لا تكفي المبتزين, فيبتزوهم ليأخذوا مواقفا أكثر حنجورية أو تميل للتطرف.
و بسبب ذلك رفض البعض تولي مسؤوليات في حكومةقنديل, و بسبب ذلك أيضا تغاضى البعض عن انتقاد عُنفٍ تم ممارسته من مجموعاتٍ تنتمي للحزب الوطني و رجاله تحت غطاء ثوري.
كانت فترة عصيبة, و الإبتزاز وصل إلى إتهامات بأنهم " خلايا نائمة للإخوان " إن لم يستجيبوا لذلك الإبتزاز, أو قد يُنهي كل تاريخهم و يحرق كل مواقفهم لأنهم لم يتبنوا موقفهم.
**
فض رابعة مذبحة, مذبحة لم تحدث في تاريخ مصرالحديث, و سيكتب التاريخ أن عصابات الحاكم المُسلحة قد قتلت مئات المصريين في ساعتي زمن من أجل كرسي السلطة.
لكن بناءً على ذلك يُمارس الإخوان المسلمين وأنصارهم إبتزازا عاطفيا على المتضامنين ضد القتل, فمن رأى فض رابعة مذبحة يجب أن يشاركهم الهتاف بعودة مرسي, و أي فعل غير ذلك هو بيع لدم الشهداء.
الدم الذي حُمِّل بمساعٍ سياسية ضيقة, وحوَّل شعارا كان من المُمكن أن يكون شعارا إنسانيا جامعا إلى شعارٍ رافعه بالضرورة يطلب شيئا سياسيا غير مُتفق عليه, حُمِّلَ ذلك الدم أيضا ابتزازا عاطفيا بئيسا.
**
من المعروف أن اليهود تعرضوا لمذابح على يد هتلر, و استخدموا تلك المذابح كابتزاز عاطفي على مر السنين, ليطلبوا على هامش ذلك ماليس لهم بحق, بل و يبرروا جرائما مهولة مارسوها هم لاحقا.
**
على الجانب الآخر استمر من ابتزوا الثوار في فترة حكم مرسي على طريقتهم من الإبتزاز, فالجميع يجب أن يُؤيد السيسي و إلا أصبح مُؤيدا لعودة مرسي, الجميع يجب أن يقول أن فض رابعة كان بطولة من الداخلية في قتل مُجرمين لا يستحقون غير القتل وإلا أصبح غير وطني, الجميع يجب أن يسكت على الإعتقال العشوائي و بلطجة الداخلية و تسييس القضاء و هرتلة جهاز الكفتة, و لحس السيسي لكلامه السابق و ترقية نفسه و ترشحه للرئاسة, و مناماته العجيبة, و إلا أصبحوا عملاءً و طابورا خامسا.
و حتى إن واتتك الشجاعة لتخرج خارج ذلك الحيز من الإبتزاز مُتحملا المخاطر المُحتملة, فيجب حين انتقادك للسيسي أو النظام القائم, أن تنتقد الإخوان بأي شكل, حتى و إن أقحمتهم إقحاما في موضوع غير مُتعلق بهم,
أن تحاول طيلة الوقت إثبات أن فلان الذي تم اعتقاله ليس إخوانيا, بل و تزيد مُحاولا إثبات أنه كان ضد الإخوان,
أن تدعو على السيسي حين انقطاع الكهرباء,لكنك تدعو على مرسي أيضا بالمرة.
**
" من ليس معي فهو ضدي " جورج بوش أثناء تدشينه حملته الإرهابية للحرب على الإرهاب.
**
و تجلَّى ذلك الإبتزاز في تعليق أحدهم على مسيرة مُطالبة بالإفراج عن المعتقلين " ناقص إنكم تطالبوا بحرية الإخوان كمان "
عدم انصياعك للإبتزاز قد يصنع لك بعض الشوشرة, تلك حقيقة, و قد يحرق تاريخك تماما, تلك حقيقة أيضا,
لكن الحقيقة الأهم أن انصياعك له مرة, سيجعلك تنصاع له مرة تلو الأخرى, حتى تُصبح في يومٍ ما مثل هؤلاء النُخب الذين لا تجد لمواقفهم تفسيرا.
لذا فنعم أنا أطلب الحرية للجميع, جميع المعتقلين, فلا النظام يُريد تطبيق العدل, ولا يسعى لذلك, بل إن النظام أجرم في حق المصريين كما لم يفعل غيره,
نعم أطالب بالحرية للإخوان, الحرية ليهم كمان.