مشكلتنا في يناير لخصوها في أمرين .. أولا انها كانت بلا قائد .. ثانيا أننا تركنا الميدان بعد تنحي مبارك ..
لكني كنت أرى مشكلتها في الثانية فقط , أما الأولى فكانت ميزة ..
لم يكن هناك قائدٌ للثورة إلا مطالبها و أفكارها ..
كان المرجع للتحركات هو مقدار تحقيق ( العيش - الحرية - العدالة الإجتماعية ) مُضافا إليهم حق الشهداء الذين سقطوا ..
لم يكن هناك قائد ليقوم بصفقات تتجاوز المطالب و الأفكار .. لكن كان هناك متربصون و وصوليون و خونة , أنهكوا الثورة الفتية و أنهكونا معهم , و كانوا طعنة دائمة في ظهر الثورة
(إمضي يا أشول )
في 30يونيو تغيَّر الأمر قليلا , فنزل المصريون بلا قائد كما في المرة الأولى لكن أيضا بدون أفكار يرجعون لها ليضبطوا بوصلة تحركاتهم .. كان الأمر كله يتعلق بإزاحة الإخوان الذين فشلوا في إدارة الدولة فشلا كبيرا ..
و أصبح تجمع المصريين في المياديين بعد إزاحة الإخوان لدعم السلطة اليمينية الجديدة و ليس لدعم أي فكرة لتغيير نظام جعل مصر في ذيل القائمة في جميع المجالات لفترة طويلة من الزمن ..
(اوعى يا مصري تخون أفكارك )
قالوا سنحاول أن نُركِّب مبادئ الثورة على حركة الجماهير الجديدة .. لكن يبدو أن الفعل ليس بسهولة القول .. فالناس مشحونة بأفكار تجعل الحديث معهم عن حقوقهم هو أمر عبثي لا يجد أذن صاغية ..
فعندما يصل الأمر لنقطة الحرب على الإرهاب تسكت كل الأصوات إلا صوت طبول الحرب .
(اللي متعاطف مع الناس اللي في رابعة يحذفني من عنده )
تكررت هذه الجملة في أماكن عدة .. وصل الأمر أن يخسر الصديق صديقه ببساطة لأن صديقه يدعم الإرهاب !
صُدرَّت لنا الإختلافات السياسية و المراحل الإنتقالية العنيفة بأنها حرب بين شيطان و ملائكة .. فأصبحت العقول لا تقبل حتى ظهور فكرة أخرى ليست مع أولئك أو مع هؤلاء ..
فمن لا يزالون يحملون أفكار تغيير النظام لتكون الشرطة شرطة مهنية محترفة تقوم بعملها بعيدا عن الانحيازات السياسية و طبقا لقواعد حقوق الإنسان التي تحفظ لكل مصري حقوقه و كرامته .. و يكون القضاء أعمى لا يُميز بين ابن وزير و ابن غفير .. و تتحسن دخول الطبقات الأقل دخولا لتقل الفجوة القائمة و هذا سيعود على المجتمع كله بتحسن أخلاقي و اقتصادي و أمني ... من لا يزالون يحملون تلك الأفكار يُخوَنون الآن .. فلا صوت يعلو على صوت المعركة .
ما فعله الإخوان و هم في الحكم يتناسب مع فعل أي فصيل يميني محافظ من جمود و اتجاه للسلطوية , و هو ما سيفعله أي نظام سلطوي آخر ..
لو كان الأمر عندك هو كراهيتك للإخوان لأنهم إخوان ..فاجلس قليلا لتقرأ مجلة ماجد و تتابع مسلسل موجة حارة .. و استمتع بأغاني عمرو دياب الجديدة ..
و لو كان الأمر أنك ضد السلطوية في الحكم و الجمود في التحركات السياسية و انعدام مبدأ المشاركة و ارتفاع الإنتهازية في ادارة الدولة .. فاثبت مكانك .. فمصر تلك لم تأتِ بعد .
( و لكل عصر رويني )
قالها الرويني من قبل أنه كان يتحكم في الميدان ببث الشائعات .. و لكل مجلس رويني يبث الشائعات و يستخدم الصحف و القنوات ليسيطر و لو قليلا على توجيه عقول الملايين حيث شاء ..
فمرة صواريخ تم ضبطها و مرة قنبلة تم تفكيكها و مرات عناوين مضروبة و تصريحات مجتزئة .. و بكاء و صريخ و عويل ..
لكن ما أعرفه يقينا أن أحداث العنف في المحافظات التي كانت بين أهالي و بعضهم البعض من مؤيدي و معارضي مرسي .. لم يتدخل الأمن فيها بطريقة فاعلة في أغلب الأوقات ..
و ما حدث في المنيل و التحرير مثاليين ..
و كأن هناك مستفيد ما في السلطة الحالية يترك الاشتباكات إذا كانت أهلية دون تدخل .. و يتدخل بنفسه إذا كان الإشتباك ليس به أهالي .. يتدخل بطريقة مُميتة ..
و إن تركنا ما يحدث في المحافظات لما يحدث في سينا , فالأمر أكثر وضوحا هناك ..
مسلحون يعتدون على كمائن و نقاط الشرطة و الجيش .. لكن بلا أي حسم من الجهاز الأمني المصري و كأنه جهاز مكسور الجناح ..
ما الأمر إذن ؟!
لو تركنا الإشاعات و الأخبار التي ليس عليها دلائل سنجد أن هناك أحداثا على الأرض تختلف كلية عن ما يتناوله الإعلام .. و الأسباب غير مفهومة ... و غير مفهومة هو أكثر التعبيرات حُسنا للنية التي قد يستخدمها أحدهم .
( هيا بنا نلعب )
أصبحت المشكلة محصورة في إعتصام في وسط القاهرة , و أصبح الأمر محصورا أن هناك شياطين يجلسون في ميدان رابعة و يجب قتلهم ..
و كأن الدولة مُبارة كرة قدم سينتصر فيها من يقتل الطرف الأخر
الإخوان يُفكرون بمبدأ أي زملكاوي صميم -مثلي - عندما يترك كل الأداء السيء طوال المباراة و ضربة الجزاء الذي ضيعها شيكابالا .. و يمسكون في الحكم الظالم الذي لم يطرد بركات لأنه أشار للجماهير بحركة خارجة عندما سجل هدف في الوقت القاتل .. !
و معارضي مرسي يتبنون شعار أنهم فوق الجميع كأي أهلاوي مغرور و كل الأهلاوية مغرورون بالمناسبة ..
الحقيقة التي يُنكرها الجميع أن مصر ليست ملعب كرة قدم , و أنها ليست مباراة يجب أن ينتصر فيها أحدهم .. فتلك المباراة قد تكون نهايتها خسارة الجميع و تحطيم الملعب فوق رؤوسهم .
لا أمتلك حلول في هذا الوضع المعقد و في ظل تناحر فصيلين لا يثقان في بعضهما البعض تماما و لا أثق أنا في كليهما ..
لكني أملك بوصلة تُحدد اتجاهي و تحركاتي ...
هي أن الدولة لن تُقام إلا بالعدل و دولة الإخوان سقطت لأنها لم تكن دولة عدل .. و أي دولة قادمة لن يستقيم معها الأمر إذا تبنت الظلم و لو باسم الجماهير المحتشدة ..
لن تستقيم الدولة إلا بعدالة انتقالية تُطبق على الجميع , و حقوق تُوهب , و إعادة هيكلة المؤسسات للتناسب مع دولة مدنية حضارية ديمقراطية ..
و سأقف ضد من يحاول أخذ الدولة في إتجاه غير ذلك ..
لن يرهبني إرهابٌ قائم أو مُحتمل .. و لن أُبتذ بشرعية سقطت ..
عيش حرية عدالة إجتماعية و عدالة انتقالية ... ذلك طريقي ..
و لن تنتصر مصر بغير ذلك .