تختلف الأسباب التي تُبنى من أجلها العلاقات الدولية باختلاف الأنظمة, فسلطة حاكمة في ظل نظام ديمقراطي, ستسعى بأن تُقيم علاقات دولية وفقا لفوائد ستعود على الدولة التي تحكمها, حتى و إن كانت علاقات لا تتوافق مع المبادئ,
و الأنظمة المستبدة ستفعل ذلك لأهدافٍ تتعلق جميعها بمصلحة النظام لا مصلحة الدولة أو الشعب, و ان استخدمت كل وسيلة قذرة من أجل ذلك.
**
في عهد مبارك فقدت مصر علاقاتها مع قارة أفريقيا, بالرغم من أهمية تلك العلاقات للدولة, و أصبح من الواضح أن أعداء أمريكا أصبحوا أعداء مصر و أصدقاؤها أصبحوا أصدقاءها
تدهورت علاقات نظام مبارك مع نظام بشار الأسد في سوريا, و حماس في غزة, و حزب الله في لبنان, و بالطبع مع إيران.
و بالمصادفة هؤلاء الأربعة كانت علاقاتهم بالولايات المتحدة الأمريكية سيئة كذلك, أو ليس بالمصادفة.
بينما كانت علاقات النظام التجارية و السياسية و الودية على أعلى مستوى مع إسرائيل.
هل كانت تلك التحالفات و العداوات تتم لمصلحة الوطن ؟ أم ليُحافظ النظام على دعم الغرب له؟
دعونا نتحدث عن أزمة سد النهضة كمثال.
مع تراجع دور مصر في أفريقيا, بعدما كانت يوما ما أشبه بزعيمة للقارة السمراء, و برغم الأهمية الإستراتيجية الكبيرة لأفريقيا بالنسبة لنا, بدأت إسرائيل في وضع أقدامها فوق كل فراغٍ نتركه, فصنعت علاقات قوية مع عدة دول, منها جنوب السودان, و أثيوبيا.
يكفي أن نعرف أن جنوب السودان بعد إنفصاله كانت أول زيارة خارجية لرئيسها لإسرائيل.
و تواجد إسرائيل في بلاد وادي النيل و منابعها كان و مازال خطر على حصتنا من المياه, و على شريان الحياة, و صراعات تُخلق لندفع تكلفتها وحدنا.
لكننا في المقابل بدلا من محاولة إصلاح ذلك الخلل في علاقاتنا بأفريقيا, تقاربنا مع إسرائيل التي هي جزء من ذلك الخلل.
مصلحة الوطن لم تكن في ذلك الإتجاه بكل تأكيد.
أما مصلحة النظام, فلم يكن النظام يحظى بدعم شعبي و لم يسع له, بل سعى للإحتماء بالخارج من أجل تثبيت أركان حكمه, خاصة بعد محاولة إغتيال مبارك في أديس بابا, و بعد إحتلال العراق و إعدام صدام حسين.
و رضاء الغرب الذي لن يكون يوما إلا غادرا, كان عن طريق رضاء إسرائيل, دون أي اعتبار لمصلحة الوطن من وراء ذلك أو ضرره.
كان نظام مبارك مثال فاضح على تسخير العلاقات الخارجية لخدمة النظام لا الوطن ولا الشعب.
***
روسيا كانت دائما ما تحمل للإخوان المسلمين عداوة, لسابق عهدهم بدعم الشيشان, الشيشان تلك الدولة التي مارست فيها روسيا كل أنواع الإنتهاكات و القتل و القمع في سبيل السيطرة عليها و احتلالها, سواء كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة,
لذا لم يكن من المستغرب على وفد يضم السيسي و وزير خارجية الببلاوي أن يجعل " الحرب على الإرهاب " هي القضية الأساسية التي يطرحوها لوفد روسيا الذي قابلهم.
فالسيسي و من معه ثبتوا أرجلهم في الحكم بعض الشيء بإذاعة و نشر فكرة أنهم يحاربون الإرهاب, و كان ذلك واضحا من طلب التفويض, و أيضا من تلك الجُملة التي كُتبت على جميع شاشات القنوات الخاصة و المملوكة للدولة, بأن مصر تُحارب الإرهاب.
و من تلك التجربة يُريد أن يحصل على نفس الدعم لنظامه من الخارج تحت نفس الدعوى.
في سوريا كان الأمر مماثلا في ظل ظروف مُغايرة بعض الشيء, فثورة سوريا التي بدأت شعبية تماما, حاول الكثيرون و خاصة النظام تحويلها لطائفية, و كان ذلك جليا بدخول حزب الله كجندي على الأرض, و الدفع بالجماعات الجهادية و تمويلها لتظهر هي في المواجهة.
يكفي أن أذكر أن الدولة الإسلامية في العراق و الشام و المعروفة بإسم " داعش " اعتمدت على السيطرة على الأراضي المُحررة, لكنها أصبحت " لوجو " يستخدمه النظام, الذي استغل الفرصة فورا و بدأ في نشر فكرة محاربته للإرهاب و للأصوليين المتطرفين.
من بعدها تغير الأمر على الأرض و صار أكثر تعقيدا, فالكثير بالطبع سيرى في بقاء بشار و نظامه كُلفة أقل, أو لن يستطيع تحمل كُلفة خطر تمكين الإرهاب في سوريا.
مصلحة النظام قد تقتضي خلق وجود الإرهاب و محاربته ثم الإعتماد عليه لتمكين نظامه أو المحافظة على وجوده, أحيانا يحدث ذلك.
****
الأمر ليس مُتعلقا فقط بكون السيسي قابل بوتين مرتديا " جاكت " يُعبر عن روسيا فوق بذلته العسكرية, و ليس فقط طريقة حديثه مع بوتين الذي شابها كثيرا من التبجيل لشخصه, لكن التهويل من تلك الزيارة, لدرجة نقل صور الوفد المُسافر في المطار و في الطائرة على طريقة أفلام هوليود, و عل طريقة أغنية حمادة هلال " والله و عملوها الرجالة " بما يُعطي إنطباعا و كأنها زيارة فارقة ستدفع بالمنطقة و بالدولة لنقلة ما في العلاقات الدولية, لكن الإنطباع الصحيح هو أن النظام لم يُقدم أي إنجاز على الأرض و لو بسيط, فقرر أن يُحاول إيهام الناس بأن إنجازا كبيرا قد تم بزيارة السيسي لروسيا.
بينما تحدث سفير روسيا في القاهرة أنه لا ثمة صفقات سلاح قد أبُرمت, و لا صفقات تجارية, ولا اتفاقات بأي شأن, حتى سد النهضة لم تحدث اية محاولة لتدخل روسيا في الأمر.
و الأمور واضحة, لم يذهب الوفد المصري بخطة لتغيير معادلة ما تدفع بمصر كوطن و شعب إلى الأمام, بل كانت محاولة للحصول على تأييد روسي أقوى للنظام في مصر.
كوبا من الشاي شربه السيسي في روسيا أثناء حديثه العاطفي عن وقت بوتين الثمين الذي تكرم بإعطائه دقيقتين منه, و بحربه الرائعة على الإرهاب, أصبحت إنجازا, و حديثا على مصالح دولية تتغير, و ردود فعل في الشارع الأمريكي غاضبة من الإدارة الأمريكية لخوفهم من تخلي نظام السيسي في مصر عنهم.
لكن السؤال .. لماذا لا ندع السيسي يشرب شايه في روسيا في هدوءٍ و صمت ؟
للزعامة ضريبةٌ حقا
No comments:
Post a Comment