لم تكن يوما نظرتي متشائمة , ففي وسط الإحباط العام في مصر لم أكن مُحبَطا يوما , و كنت دائما أكتب مُعبرا عن ذلك الأمل في داخلي , و لم أنظر إلى المستقبل بتحليل كوقائع مُحددة أبدا , و لكن دائما كانت رؤيتي صورة مستقبلية عامة
لكن اليوم و أنا أرى الوقائع تمر أمام مخيلتي .. كان لزاما عليَّ إستدعاء تشاؤمي و لو لمرة , ليس دعوة له و لكن تحذيرا بالخطر إن لم ننتبه.
كنا في بداية الأمر أقرب إلى التوحد منا إلى التشرذم , و كان صوتنا جليّا و مؤثرا , ثم فرقنا الإستفتاء و ما بعده
و في ظل هذا التفرق كانت هناك بعض النقاط الواضحة :
لم تغب التيارات المدنية عن أي مليونية أو إعتصام أو مظاهرة تدعم مطالب الثورة بطريقة ضاغطة على المجلس العسكري أو ضده.
بينما غابت التيارات الإسلامية عن بعضها , خصوصا تلك التي ارتفع فيها الصوت مُنددا بالمجلس العسكري
و المليونية الوحيدة التي نزلت فيها التيارات الدينية دونا عن التيارات المدنية هي ما تُسمي بجمعة الشريعة , و كان يغلب عليها الطابع الديني الذي لا يخفى دعمه للمجلس العسكري ضد التيارات المدنية .
في خلال تلك الفترة الطويلة التي تعددت فيها المليونيات و الإعتصامات .. حصلت تغييرات تدريجية في علاقة المجلس العسكري و القوى السياسية
فبينما ساءت علاقة المجلس بالقوى المدنية يوما بعد يوم .. حتى وصل الأمر للتخوين و الإتهام بالبلطجة و بدأ محاكمة البعض منهم أمام القضاء العسكري .. و إتهام مرشحيّن من مرشحي الرئاسة - دون تحديد إسميهما - بأنهما يقوما على تنفيذ أجندات و يأخذا تمويلا خارجيا , ساءت كثيرا سمعة تلك التيارات في الشارع المصري , حتى أصبح شباب 6 إبريل في نظر الكثيرين هم أسوأ شباب أنجبتهم مصر , بعدما كانوا أشجعهم و أنبلهم .
و في الجانب الآخر .. إستمرت العلاقة بين الإسلاميين و المجلس العسكري في صورة طيبة , تجلَّت كثيرا في جمعة الشريعة التي كان الظاهر منها هي تأييد الشريعة ضد الكتلة المدنية , لكن الحقيقة لم يكن إعتصام الكتلة المدنية سيُغير من آلية وضع الدستور أو هوية الدولة حتى يكون ذلك هدف المليونية , لكنها كانت دعما قويا للمجلس العسكري و زيادة في حالة الإستقطاب الحادث .
خلاصة الأمر .. هو أننا نعيش في ظل إستقطاب شديد بين القوى السياسية في خندقيّن لا يتماسان , و الكتلة المدنية يسهل إتهامها الآن بالأباطيل دون أن يتعاطف معها الشارع المصري تعاطفا كافيا .
بقيت فقط الكتلة الإسلامية , التي أصلا كان الكثيرون يُقدومون التخوفات من سيطرتها على الحكم و من أفكارها ..
و أتى الحديث الآن على المبادئ الحاكمة للدستور , و بدأت التصريحات تخرج من هنا و هناك
فتصريح القيادي بالإخوان المسلمين بأنهم على إستعداد بالنزول بالملايين لرفضها يأتي متوازيا مع سؤال لا أستطيع أن أفصله عن الواقع .. سؤال بدأ يتردد كثيرا على صفحات الإنترنت و بين الناس
دولة دينية أم دولة عسكرية ؟
و أرى إجابات كثيرة تقول : عسكرية .
أخشى أن هذا هو الفصل القبل الأخير في مُخطط طويل
تخلص من تأثير القوى الثورية المدنية لتصبح مُكللة بعار العمالة , و يُلقي الآن بحجر المبادئ الحاكمة للدستور , ليرفضها التيار الإسلامي و يعلن عصيانه , فتبدأ حملة تشويهه هو الآخر و القوى المدنية لا تقف بجانبه بطبيعة الحال بل تقف ضده .. سعيدة بالمبادئ و مُنددة برافضيها
و إن كان تشويه الثوار أمرا صعبا ..فقد حدث
و تشويه التيار الإسلامي لن يكون أكثر صعوبة منه
وقتها سيكون الخيار واضح و مُكرر و صوته زاعق و مُرتفع
دولة يقوم عليها العسكر ؟ أم يقوم عليها العملاء ؟ أم يقوم عليها الرجعيون الذين لا يوافقون على مبادئ طيبة تدعو للحرية و الديمقراطية لأنهم يُريدونها إيراناً أو أفغانستاناً جديدة !
و سيهتف الناس عسكرية عسكرية .. و تعود السجون لتكون بيوتا لنا
إلى الجميع ... في مرحلة ما بعد الثورة أخطأنا كثيرا جدا , و مع كل خطأ قلَّت فيمة الثورة في قلوب الناس و قلَّ تأثيرها
فمتى سنفيق ؟
لا تجعلوا المبادئ الدستورية هي المسمار الأخير في نعش الثورة و أنتم لا تعلمون
فإما التوافق عليها جميعا , لإما رفضها جميعا
و اجعلوه الفصل قبل الأخير من إسترداد دولتنا من العسكر , و لا تجعلوه الفصل قبل الأخير من ضياع ثورتنا
إرحموا دماء الشهداء من إختلافاتكم .. يرحمكم الله
2 comments:
رؤيه عميقه للاحداث و معبره جداً
و مفيش حد بيمسع يا كشك للأسف
كلُ يغني على ليلاه و نسيوا مصر
Post a Comment