بعد ثورة 25 يناير المباركة بدأ الحديث يتطرق إلى هوية الدولة بين المطالبين بعلمنتها أو أسلمتها ومعاداتهم لبعضهم البعض بشكل آخذٌ في الوضوح والتجلي.
وقل الحديث عن الديمقراطية بعض الشيء ..وهو المطلب الرئيسي والأساسي والمعبر عن مضمون وآمال الثورة
وأحسست كثيرا بأن هناك ثمة تداخل ما بين هذه العناوين, ومعادة لبعض المتبعين دون فهم حقيقي لها
فأحببت أن أطرح وجهة نظري في ماهية الديمقراطية ..بين العلمانية و الإسلامية
الديمقراطية أعبر عنها بأنها العدل في كل شيء , وهذه الديمقراطية كانت تقوم في الماضي على شخص عادل يأتي به القدر إلى كرسي الحكم , ثم تحولت بعد ذلك إلى مؤسسات بديلة عن هذا الشخص الذي قد يأتي مرة ويغيب عشرات المرات.
فأصبحت المؤسسات هي الركيزة الأسياسية للديمقراطية , و بها تتم محاولة تحقيق العدل التام بين جميع مواطني الدولة وفئات المجتمع , فكل مؤسسة قائمة على العدل الداخلي , وتعكس هذا العدل في إحتكاكها بالمجتمع , لتصنع كل مؤسسة مع غيرها من المؤسسات دولة تقوم على المساواة بين الجميع لا فرق بين المواطنين بإختلاف ألوانهم وأديانهم و أرائهم , و يصل فيها كل مستحق إلى المكان الذي يستحقه دون أي عوامل جانبيه مُعيقه.
هذه الديمقراطية " العدل " عندما تتم و تثبت أركانها .. لا يهم بعدها ما هي المرجعية التي تأتي من خلفها .. أو ما يسمي بهوية الدولة
فالديمقراطية في الدول الناهضه ثابته .. وهوية الدولة قد تتغير بناءً على ثقافة المجتمع السائده والمتغيره
وليس إلزاما أن تُحقق الهوية الإسلامية الديمقراطية " العدل " أو أن تحقق الهوية العلمانية الديمقراطية
فالإسلام ..دين عدل نزل من العدل جل جلاله , ولكن مطبقه إعتمادا على تفسيره , هو تطبيق بشري يخضع للصحة والخطأ .. والعدل والظلم.
لذا فقد تأتي هوية إسلامية تطبق الدين بتفسير خاطئ فتكون دولة ظلم و تنتفي معها الديمقراطية
و قد تأتي هوية إسلامية ذات تفسير صحيح عادل فتكون دولة ديمقراطية عادلة
و نفس الحال للهوية العلمانية فقد تأتي هوية علمانية مضطهدة للدين فتنتفي معها الديمقراطية , وقد تأتي علمانية تحافظ على الحقوق و لا تداخل مع الدين فتحافظ على الديمقراطية
لكن إن نظرنا إلى مدى ثبات هذه الهويات في مواجهة الظلم ..سنجدها تعتمد على القدرات البشرية المتغيرة
لكن في حالة ثبوت الديمقراطية , فإن هذا الثبوت يحتم على الهوية أن تتماشى معها ولا تتعداها إلى الظلم
إذ فإن الهدف الأساسي لأي مجتمع بشري يبحث عن الحرية والتقدم , هو إرساء قواعد الديمقراطية في الدولة بكل قوة و ثبوت
بعدها تُحدد هذه الديمقراطية هوية الدولة بناءً على مواطنيها
و نضمن بذلك ألا تطغى تلك الهوية على معارضيها لأن الديقراطية أثبت من أي شيء.
و لنقارب الأفكار الأساسية الموجوده داخل الحراك الشعبوي والنخبوي الآن بشكل واضح سأحاول تجلية فكرة العلمانية و الإسلامية بشكل مبسط و مختصر أرجو ألا يكون مُحلا بالمعنى
العلمانية ثلاثة أنواع واضحة .. علمانية ضد الدين وهي علمانية تحارب أي دين بوضوح و هي غير ممثلة في مصر إلا عن طريق قلة صغيره لا صوت ولا أهمية أدبية لهم فهي لا تدخل في هذا الحراك تقريبا
وعلمانية تسمح بكل أشكال الدين و التدين في الحياة الخاصة لكنها تمنعه بشكل قاطع في الحياة العامة
فأنت تستطيع أن تُظهر دينك و تدينك في بيتك و في مكان عبادتك لكن لا تخرج بدينك إلى العمل أو إلى الجامعة بما يدل عليه ! فلا صليب كبير ولا حجاب أو تقصير
وهذا النوع أيضا غير موجود في مصر إلا بنسبة ضئلية لا تُذكر تقريبا
أما النوع الثالث فهو العلمانية الليبرالية التي تسمح بحرية الإعتقاد و التعبد في الحياة الخاصة و العامة بشكل كامل لكن لا تسمح بأي حال من الأحوال أن يدخل أي دين في الشريعة و القوانين
وهذا هو نوع العلمانية المنتشر بين بعض مفكري وشباب مصر
وهو أكثر نوع يتناسب مع فكرة الديمقراطية من الأفكار العلمانية
أما الهوية الإسلامية
فتنقسم بين نوعين رئيسيين وأنواع فرعية صغيرة وغير مؤثرة
النوع الاول الدولة الدينية التي تعتمد على ولاية الفقيه
وفيها يكون الحكم تقريبا في يد أحد او مجموعة من علماء الدين و يأتمر بأمرهم رئيسٌ يمثل الجهة التنفيذية
وهو يقوم على أفكار الأشخاص وتفسيراتهم البشرية للدين و القابلة للصحة والخطأ
و النوع الثاني يحافظ على كيان الدولة الديمقراطية تمام المحافظة لكن قوانينه وتشريعاته نابعة في المقام الأول من الإسلام مع تشريعات خاصة بالأقليات خصوصا في قوانينهم الشخصية نابعة من دينهم
و فيها لا تضاد بين الديمقراطية و الهوية لأن لا قانون او تشريع قد يكون متعارض مع الهوية لثوبت الديمقراطية أمام أي تفسيرات دينية خاطئة.
و لفض الإشتباك بين النوعين عقائديا
فقول "و ما الحكم إلا لله ",, يستوجب أن يكون هناك من أحد يدلنا بالتأكيد أن هذا هو حكم الله الواجب تنفيذه و المتوافق مع فقه الواقع
وهذا تقريبا مستحيل التحقيق
و قد أمر الله الرسول أن يستشير أصحابه و هو يتنزل عليه الوحي
فما بالك و نحن ما فينا أحد يتنزل عليه وحيٌ من السماء !
إذً فإن الأقرب للعقل و الواقع هو أن يكون الأساس هي الشورى والتي يتحقق بها حكم الله
و مابين إلزامية الشورى للحاكم و عدم إلزاميتها
أرى أن إستتباب العدل في هذا الزمان لا يكون إلا بإلزامية الشورى .
وهذه الفكرة تنفي صلاحية النوع الاول من الدولة أن يكون حاكما متحكما الآن .. و يعطي الأولوية للنوع الثاني
ليتشاكل مع النوع الثالث من فكرة الدولة العلمانية الليبرالية في مناقشات فكرية تستحق الجهد
و بغض النظر عن هذه المناقشات الفكرية , فالواضح أن الشعب المصري إتجاهه الأساسي هو تحقيق تلك الدولة الديمقراطية ذات الهوية الإسلامية
فليكن الهدف الرئيسي لنا هو تثبيت الديمقراطية لتكون أقوى من أن يغيرها حاكم أو سياسة أو هوية
ثم نرتضى جميعا بهوية تختارها الديمقراطية.. دون أن تكون مُحركا أو موجها لأي ظلم يقع على أي مواطن
و بما لا يتشاكل مع الحريات العامة التي يتفق عليها المجتمع و لا تتعارض مع ثقافته
و يظل الحوار المجتمعي والفكري متواصل بين العلمانية الليبرالية و المدنية الإسلامية بشكل راقى و محترم تكفله الديمقراطية الآمل حدوثها
الديمقراطية هي الحل