نزلت من بيتها صباحا, ترتدي تنورة طويلة و بلوزة يُغطى مُقدمتها حجاب ينساب من فوق شعرها ليغطيه مع كتفيها,
نزلت بخطوات حذرة سلالم محطة مترو الشهداء في رمسيس, حتى وصلت لشباك التذاكر, وقفت في طابور طويل لتقطع تذكرة محاولة تحاشي اندفاع الناس أمام شباك التذاكر, تأخرت قليلا بسبب ذلك و تدافعت حبات العرق لتتساقط بمهلٍ على وجنتها, و أخيرا قطعت تذكرة و دخلت الرصيف المزدحم, حاولت المرور بحذر بين الجموع حتى تصل لمكان عربة السيدات, و بدأت تُسرع خطاها بعض الشيء عندما وجدت المترو يدخل للرضيف بالفعل, و قبل وصولها لمكان عربة السيدات ببرهة انفتحت أبواب المترو, و لم تجد نفسها إلا مدفوعة بالسيل البشري حتى الحائط, و عندها حدث ما حدث, تم التحرش بها عن طريق ايدٍ كثيرة لم ترى وجوه أصحابها من كثرتهم و انتهى بها الحال بثيابها مُهلهلة على جسدها المكشوف من كل مكان.
إذا حكيت هذه الواقعة لأحدهم فكان رده, أنها بالتأكيد كانت ترتدي ثيابا ضيقة مكشوفة تُغري أيدي الشباب الجائع أن تلتهمها و تُعطي لهم إنطباعا أنها تُريد ذلك, بل و يبتسم إبتسامة صفراء مقيتة و يُكمل, كلهن يُردن ذلك.
فأخبرته بل كانت ترتدي ثيابا طويلة فضفاضة, فكان رده بدون تردد.. إيه اللي نزلها في وقت زحمة زي ده ؟ إيه اللي وداها هناك؟
ما تعليقك على هذا الشخص؟
____
لم يذكر الرجل أي كلمة لومٍ للفاعل, للمتحرش, بل فقط هاجم الضحية و حمَّلها المسئولية, حتى و إن لم يجد ما يُحمّلها إياه إلا أنها نزلت من بيتها, بل و لمَّح بسادية أنها تُحب أن يتم التحرش بها.
مُجتمع أفرز مثل ذلك الرجل الذي لا يلتفت إلا لاتهام الطرف الأضعف, جلده بسوط ظنونه, و كال الإتهامات له من كل جانب, بينما لا يرى المُجرم الذي تحيَّن فرصة ضعف الآخر ليقهره و يُنكل به.
هذا المُجتمع من طبيعته أن يُفرز لنا كل كم التشوه الذي يملأ حياتنا الآن.
____
في فترة المجلس العسكري ظهر تعليق المواطنين الغير شرفاء و بعض الإسلاميين من مثيلة ذلك الرجل أعلاه, إيه اللي وداهم هناك؟
تعليقا على قتل عشرات الشباب في مواقف مُختلفة,
بحثوا عن عُذر للقاتل المُجرم, و اتهموا المقتول
ثم زادوا بتبرير فعل المُجرم, بأن العباية بالكباسين و كانت ترتديها على اللحم, و الفتاة أمامهم بشكل واضح يتم تعريتها و ضربها بلا هوادة,
رحل الإسلاميون من الحكم بعدما دارت الدائرة و نُكل بهم كما فُعل بغيرهم على نفس الأيدي, و دارت الدائرة فتحول بعض لاعنيهم لمُبررين نفس الفعل بهم, إيه اللي وداهم هناك ؟
____
يقولون من ندهته الندَّاهة و لبى نداها لا يعود أبدا,
و يبدو أن من يقوم بدور الرجل أعلاه مرة لا يتخلص أبدا من هذا الدور مرة ثانية, فعندما برروا قتل الإسلاميين بنفس تبريراتهم المُجرمة في تحميل الضحية مغبة فعل الجاني, و التكالب على الطرف الأضعف ليكيلوا له كل الإتهامات المُمكنة و يغضوا الطرف عن القاتل المجرم.
تصوّر بعضنا أنهم يفعلون ذلك بندالة مع خصومهم فقط, لكن وضح أن الأمر غير صحيح.
فنفس التبريرات التي كُنا نسخر منها و نلعنها خلال سنتين ..ساقوها هم هذه المرة ضد من لم يكونوا يوما إلا بجانبهم, فالداخلية تقتل " المُخربين " و " المندسين و الطرف الثالث " هم من أشعلوا الموقف, و من دعا للنزول هو السبب في الدم, و ليس القاتل هو السبب.
لم تتساقط الأقنعة, بل تعرت الضمائر و كُشفت العورات, و من ندهته النداهة و لبى ليس منَّا و لسنا منه
No comments:
Post a Comment