منذ ثلاثة سنوات كانت مصر تنعم بالإستقرار, استقرار بحث عنه المواطنون بدأب من بعد قيام تلك الثورة التي كسرت ذلك الإستقرار, و أصبحت كل وسائل الإعلام تتحدث عن ذلك الاستقرار الذي يسعى إليه الجميع, و يجب أن يسعوا إليه.
هذه هي الذكرى الثالثة لانتهاء ذلك الاستقرار, أكثر من ثلاثين عاما من الاستقرار الجميل
ذلك الاستقرار الذي انتشرت فيه أمراض الكُلى و الفيروس الكبدي سي, و تخلت مصر عن دورها الإفريقي حتى أتت أثيوبيا لتقرر غلق صنبور النيل عنا دون أن تتدخل الدول الأفريقية قائلة لها : عيب اختشي
استقرار باع فيه مبارك و ابنه نصف البلد بأبخس الأثمان, و توغل فيه الإبن في الحكم ليصبح مبارك و عائلته يحكموننا,
عزبة يفعلون فيها ما يشاؤون,
استقرار في التعذيب داخل السجون, و انتهاك كرامة الإنسان, و تفشي البطالة و انهيار العملية التعليمية,
استقرارٌ جميلٌ في الوحل.
فكل سنة و انتم بخير بمناسبة الذكرى الثالثة لنهاية الاستقرار.
****
في يناير 2011 و عندما خرج الملايين في جمعة الغضب يعبرون عن غضبهم من النظام و ينادون برحيله, قتل النظام منهم ألفا, بينما يتباكى البعض على قنوات التلفاز و غيرها على الاستقرار الذي شارف على الرحيل, فتلك لا تستطيع أن تشتري "ريش و بيتزا " لابن أخيها, و هذا يتحدث أن هؤلاء الملايين ما هم إلا خدعة عن طريق " الفوتوشوب " و أن الميادين ليس بها أحد, و شنوا هجوما عنيفا على كل من ينزل للتظاهر, فبعضهم عملاء, و بعضهم يتظاهر حتى يحصل على وجبة كنتاكي.
شتموهم و سبوهم و قالوا فيهم ما قاله مالك في الخمر..
ثم رحل مبارك.. فنزلوا يحتفلون برحليه.. طبقا لنظرية " قشطة " تلك النظرية التي تقول أن شجرة الدر تولت حكم مصر فقال المصريون قشطة, ثم تنازلت عنه لعز الدين أيبك فقال المصريون قشطة, فقتلته فقتلتها زوجته الأولى و تولى ابنها الحكم فقال المصريون قشطة, فدخل التتار مصر و سألوا " لما نحب نكلم الشعب نكلم مين " فخرج قطز و تولى زمام البلد فقال المصريون قشطة, ثم قتله بيبرس و تولى بدلا منه الحكم فقال المصريون قشطة...
و هكذا هي نظرية القشطة امتدت على طول الخط و عندما رحل مبارك بالثورة عليه نزل ليحتفل بها المصريون الذين شاركوا فيها و المصريون الذين قالوا عليها مؤامرة .. و قال الجميع قشطة.
****
خلال ثلاثة سنوات بدأت الثورة المضادة ببث الأفكار المعادية للثورة بإيهام الجميع بوجود مؤامرات قام بها عملاء, و ساعدهم في ذلك كتيبة إعلامية فاسدة تعمل بالأمر المباشر من أعداء الثورة.
عندها عاد كلٌ إلى أصله, فمن كان ضد الثورة و قال " قشطة " عندما رحل مبارك, عاد و قال " قشطة " و أصبح ضدها, و هكذا عادوا إلى خندقهم القديم.
حتى جاء الجنرال, بيدٍ مرتعشة تحارب الارهاب و قبضة حديدية تُنكل بالمعارضين,
قتل المئات و اعتقل الآلف و نشر الخوف و الرعب و قضى على الحريات و انتهك الحياة الخاصة و العامة للمواطنين و أغلق القنوات و قصف الأقلام و ورط الجيش في السياسة طبقا لطموحاته الشخصية و أهواء نفسه.
و في يوم 25 يناير, طلبوا من الناس الإحتفال..
فنزل الآلاف, هؤلاء الآلاف الذين كرهوا الثورة دائما, و قالوا عنها أنها مؤامرة, نزلوا ليحتفلوا بثورة غيرهم, بينما غيرهم هؤلاء الذين قاموا بتلك الثورة يُقتلون في شوارع القاهرة و بعضهم بالقرب منهم لا يفصل بين هؤلاء المحتفلين و هؤلاء المقموعين إلا مائة متر..
المشهد سريالي..
آلاف كارهي الثورة يحتفلون بها في ميدان الثورة, و بجانبهم مئات الشباب الذين قاموا بالثورة يُقتلون..
و هؤلاء المحتفلون يُلقون القبض على من يقع تحت أيديهم من هؤلاء الثوار أصحاب الثورة
يحتفلون بينما " سيد " الذي جمع مئات التوقيعات لرحيل مرسي, يأخذ رصاصة في صدره, و ياسين الذي كان في صفوف الثوار ضد الإخوان مُعتقل.
هؤلاء الشباب المقموع الذي بحث و مازال يبحث عن عزة الوطن و الشعب, و هؤلاء المحتفلون الذين مارسوا كل خسة فلم يكونوا يوما إلا ظهيرا للباطل بكل قبحٍ و فجور.
ليس هؤلاء هم الشعب حتى لا " يتفزلك " أحدهم بأني أسب الشعب, فالشعب المصري عنده أصل و كرامة و شهامة لا يقبل أبدا بذلك المشهد, لن ينزل ليحتفل فوق دماء أبنائه, لن يقتل أحلامهم, لكنهم حفنة لم تكن إلا مع الظلم منذ البداية
, لكن بوجود الجنرال وجدوا فرصتهم ليعلوا صوتهم الخافت, ليُخرجوا غلهم و كراهيتهم و أمراضهم النفسية,
, لكن بوجود الجنرال وجدوا فرصتهم ليعلوا صوتهم الخافت, ليُخرجوا غلهم و كراهيتهم و أمراضهم النفسية,
كان وجود الجنرال إيذانا بظهور خستهم
لكن خستهم لن تأتي لذلك الوطن المكلوم بالاستقرار
****
في الذكرى الثالثة لانتهاء الاستقرار, لن يأتي الاستقرار بقتلنا في الشوارع و إعتقالنا بدون تهم, و قطع ألسنتنا
لن يأتي الاستقرار بقمعنا بدبابة تقف فوق رؤوسنا, أو جرينوف يحمله أحدهم في مواجهة مواطنين سلميين
لن يأتي الإستقرار إلا بعدالة إنتقالية تحاكم كل من طغى و انتهك الحرمات و الدماء.
بالعدل نصنع دولة, بينما ذلك الظلم إيذانا بخرابها
استمروا في غيكم و خستكم بغرور قوتكم.. فثورتنا ستنتصر و لو بعد حين
و حينها لن نقبل منكم قول " قشطة "