دعونا نتتبع الأمر من بدايته, فُتحت أبواب مقرات أمن الدولة أو تم إقتحامها, ليكسر الثوار ذلك الكابوس الذي خيَّم على قلب مصر سنين, حيث كان الداخل لتلك المقرات مفقود, و الخارج منها مولود, حتى أنه من فرحته قد يصيبه بعض جنون.
جرائم أمن الدولة لا تحتاج إلى إسهاب, لكن ما يحتاج لإسهاب هو ما بعد حرق الملفات و فرمها عن طريق كاتبيها, و تركهم هم لبعض الملفات الأخرى التي تحتوي على سنين من تجسسهم على الناس.
في تلك اللحظة تم إلغاء جهاز أمن الدولة, و استقال و ابتعد كثيرٌ من أعضائه, قبل أن يتم تغييره لإسمٍ مُغاير,
نحن لا نقرأ الكف, و لا نستخدم السحر لمعرفة ما وراء الأبواب, فمن المعروف أن جهاز أمن الدولة قد تم إلغاؤه, و أن وقتها كان مجلس عسكري طنطاوي هو من يُدير شئون البلاد و مُحكم قبضته عليها, و وقتها كان مدير مخابرات ذلك المجلس هو السيسي.
الخط يمتد بطوله إلى هناك إذا بحثنا عن جهة ما قد تهتم بتسجيل المكالمات للبعض, فقد تكون أي جهة أمنية, لكن لا يمكن إستبعاد المخابرات الحربية التي كان لها بالتأكيد الباع الأكبر كبديل للأجهزة المُنحلة.
***
أصبح من المُؤكد أن الممارسات الإجرامية للدولة استمرت في فترة مجلس عسكري طنطاوي, و تلك الفضيحة إحدى الدلائل على ذلك,
لكن إلصاق ذلك بجهاز أمن الدولة فيه شبهة مداراة على أجهزة أخرى, فالتجربة أثبتت أن كلهم " جهاز أمن الدولة " بكل مساوئه و تجاوزاته للقانون و جرائمه.
إذا أردنا مساءلة أحدهم على تلك الجريمة لا يمكن البدء بجهاز أمن الدولة المُنحل - وقتها - لكن البداية عند الفريق السيسي رئيس المخابرات الحربية وقتها, فهل من المتوقع أن أثناء ثورة حُلَّ على أثرها جهاز أمني, أن تُنفذ إحدى شركات الإتصالات أمرا بالتجسس على مواطنين بناء على أمر من ذلك الجهاز المُنحل ؟
***
الأمر ليس فضيحة عن علاقات نسائية قد يتم نشرها في إحدى صفحات الجرائد الصفراء, و ليس شماتةً في حق شخص تراه يستحق ذلك, و لا إثباتا لمعتقداتك عن بعض الأحداث و الأشخاص,
الأمر أن الدولة التي دغدغوا مشاعرك بأنها ستصبح " أد الدنيا " ببساطة قد تتجسس عليك, بل قد تُسجل ذلك و تُذيعه لاحقا.
تفعل ذلك دون إحتراما لقانون, يريدونك أنت أن تحترمه, و لا إعتبارا لعقاب, سينزلوه عليك وقت شاؤوا و كيف شاؤوا.
فالأمر هذه المرة لم يبذلوا جُهدا لإخفائه أو تبريره كما اعتادوا عندما يُطلقون على من يقتلوه " إرهابي " و على من يعتقلوه " بلطجي " .. ليس بالضرورة أن يُعرِّفوا " الإرهابي" أو " البلطجي " فطبقا لما أجرمت أيديهم يسمون الناس.
لكن هذه المرة تجسسوا, و سجلوا تجسسهم, و أذاعوه, دون البحث عن أي تبرير أو تفسير, فقط فعلوا ذلك بفتونة رجال العصابات المسيطرة على مناطق ما بقوة السلاح, لتجعل منها مناطق نفوذها, تُصبح هي القانون فيها, هي الأمر و النهي, هي السلطة في اللادولة.
ليس تضامنا مع شخص أحد, فالكل له ما له و عليه ما عليه, لكنه رثاء لدولة حاول خيرة شبابها بناءها, بينما كان هناك من ينخر في الظلام لتستمر بفسادها, حتى أصبحت شكل ما للسلطة ليس له علاقة بشكل الدولة, فلا قانون و لا عدل و لا خرية و لا دولة.
كبِّروا على دولتكم أربع, و ابنوا دولةً غيرها.
No comments:
Post a Comment