رسائل النظام للشعب دائما ما تكون مُكررة, نفس التفاصيل في نفس الظروف بنفس الطريقة,
ففي بعض الحالات يبثون رسائل التخويف, فأنت في خطر, يجب ألا تتوقف عند أي أمرٍ تراه خطأ لأن " مش وقته " فأنت في خطر.
و في حالات أخرى عندما يرى النظام أن حالة الرفض متصاعدة الوتيرة بشدة, يبث فكرة أخرى بجانب الفكرة الأولى, فكرة الإحباط, فأنت يا صديقي مُحبط, و المُحبط لا يفعل شيئا إلا الإرتكان إلى عزلته و محاولة تسيير أموره بما تسمح به الظروف, الرضا بالأمر الواقع أمر حتمي.
لكن يا صديقي في حقيقة الأمر, لا يوجد خطر عليك إلا خطر السلطة, و تستطيع أن تستبدل حالة الإحباط بحالة غضب.
**
الشعب هو القوة الهادرة التي تستطيع فعل أي شيء إذا ما وثقوا بقدرتهم على ذلك, هم الجمعية العمومية لأي وطن, و الشباب هم عماد كل ذلك,
و الأنظمة المتعاقبة على الحكم في مصر, حاولوا دائما بث شعور عام في الشعب بأنهم لا يملكون تلك القدرة على التغيير, أنهم مكسورو الجناح, و أن النظام يملك من وسائل القوة القادرة على إخراسهم, و أن من خاف سِلم.
هذه رسائل بثها النظم دائما, لكنها رسائل خاطئة.
بعد الثورة إرتفعت حالة ثقة الشعب بنفسه, وصلت للقمة, كان الشعب يستطيع أن يُحقق المعجزات وقتها, الكل يُريد تحقيق العدل, الكل مستعد أن يتطوع في أي مكان لتدور عجلة الدولة, الكل على استعداد أن يمنع فساد الحكومة و موظفيها, اي موظف مرتشٍ توقف عن طلب رشوته لأن هناك عشرات الناس سيمنعونه و يبلغون عنه,
كانت جموع الشعب تشعر بحقيقة شأنها, تشعر بقدرتها على بناء مصر الديمقراطية دولة المؤسسات و الحريات صاحبة إرادتها المستقلة, كانوا يشعرون أنهم يستطيعون تحرير فلسطين غدا بأيديهم العارية لو أتيحت لهم الفرصة.
و كانت تلك هي معركة النظام الكبرى, تلك الثقة خطرٌ على أي نظام يسعى إلى تحقيق مصالحه لا مصالح الوطن, فالوطن لا يُرفع شأنه إلا بتلك الروح التي تتجاوز ضيق الأنظمة المستبدة و ركونها للمصالح التي دائما ما تحكمت في طريقة حكمها.
مع الوقت بثوا إحباطا بأن " الشعب " لا يستطيع محاكمة من قتله و أفسد حياته سنينا طويلة, فكل من تم تقديمه للمحاكمة حصل على براءته, و أن من سيقتل لن تتم محاسبته, و سنترككم تتظاهروا في الحدائق و نوزع عليكم " بونبوني " أو نقبض عليكم إذا أردنا,
و أن بكل تأكيد العين لا تعلو على الحاجب, و أن ببساطة ثورتكم فشلت, لا تفعلوا ذلك مُجددا.
صديقي.. إنهم يكذبون عليك.
**
الخطر الأكبر على الثورة هو أن تقتنع أن الثورة قد فشلت, بينما الثورة مازالت مُشتعلة تحت الرماد بانتظار أن تُقرر أنت النفخ فيها لتستعر و تأكل كل ظلمٍ و فسادٍ تمارسه السلطة الحالية,
هم يخشون ذلك, يخافون أن تعرف أن قدرتك على التغيير هي الأساس,
يخشون أن تعرف أن لا وطن إلا بك, فأنت يا صديقي هذا الوطن.
**
يُحكى أنه كانت هناك حظيرة خيول, يحكمها فرسٌ مُخضرم, هذا الفرس أقنع الخيول مع مرور الأيام أنهم ليسوا خيولا, أنهم مُجرد حمير, استبدل أكلهم بفضلات أكله, و علمهم أن الصهيل ليس صوتهم, و أن صوتهم هو النهيق,
اقتنعوا و صاروا كما الحمير بلاإرادة, يستمعون للأوامر و ينفذونها,
حتى أتى واحدٌ من بينهم, فطن للخدعة, و صرخ فيهم أنهم ليسوا حميرا, و صهل صهيل الخيول,
تعجبوا جميعا و جرَّب بعضهم الصهيل فوجده يستطيع الصهيل, و بعضهم استاء كثيرا من ذلك التغيير, فانقسموا على أنفسهم, البعض قرر أن يكون صاحب إرادته, و تأكد أن النهيق ليس صوته, و البعض أصر أن الصهيل ليس لهم,
كانت معركة بين من عرفوا حقيقة ما هم عليه, و بين من رضى بما أقنعوه بعكس حقيقة ما هم عليه.
و بالتأكيد تعرفرون أن الخيول تستطيع هزيمة الحمير.
**
الخط الرفيع الفاصل بين الإنتصار و الهزيمة, أن تعرف حقيقة ما أنت عليه,
أن تعرف أنهم يُريدونك أن تشعر بالإحباط بينما تستطيع أن تشعر بالغضب
أن تعرف أنك - إن أردت - تستطيع أن تُسقط ظلمهم غدا
أنت حُر.. فلا تكن إلا حرا.
بكرة الثورة تقوم ما تخلَّي.
No comments:
Post a Comment