Wednesday, May 2, 2012

الجريدة .. قصة قصيرة

لن تراه في أي وقت إلا و هو يحملها
يقرأ سطورها و ما بين السطور يفعل مثل ذلك , يتأمل الإطارات المزخرفة و الأشكال المرسومة بفن إغريقي ذي نكهة فرعونية أصيلة
الجريدة .. جريدته اليومية
جريدة سحرية بها ألف باب و عمود و صفحاتها ليس لها عدد و كلماتها منقوشة على صفحاتها بخطوط مختلفة و ألوان متناسقة , ترسم لوحات فنية مستخدمة في ذلك الحروف و الهمزات و التشكيلات و أساليب البلاغة .
جريدته اليومية مُتجددة , فترى على صدر صفحاتها أخبار سنوات مضت و في كل صفحة جديدة أحداث جديدة و تواريخ جديدة
و أيضا جريدته اليومية متنوعة , بها من الفن و الطرب مثل ما بها من السياسة و الصخب , و كمحب للرياضة للرياضة فيها جانب و كذلك الأزياء و الموضة و الشعر و قائليه و القصص و كاتبيها .
و الكلمات المتقاطعة بها تشغل حيزا مُهما , تتخالط فيها المربعات السوداء و الفارغة بشكل هندسي يتكامل مع باقي صفحات الجريدة التي ليس لها نهاية .
جريدته هي صديقته الودودة , يحملها و هو يجلس مساءً في ذلك المكان الهادئ يُدخن الشيشة و هو يتصفح صفحاتها , و صبي الشيشة يمر من عليه ذهابا و إيابا و هو يختلس النظر بعينيه لعل عينيه تحظى بقراءة خبر من تلك الجريدة السحرية .
يأخذها معه صباحا لشانتيه , ليأخذ قهوته الصباحية و هو ينفث دخان سجائره بين أسطرها و هو يقرأها , و الكل يتابع قراءته و يتمنى أن يمتلك جريدة سحرية كجريدته .
و ليلا .. ينام و جريدته بجانبه يشم رائحة اوراقها بأنفاسه الطويلة الرتيبة كل ليلة .. ليستيقظ منتشيا من رائحتها السحرية ,
بالطبع جريدة سحرية .. رائحتها لن تكون إلا سحرية !
كان يُحب أخبار جريدته النكدة , كما يُحب أخبار الأفراح فيها , و يقرأ كل خبرٍ بنهم , و يُحاول استيعاب كل محتويات جريدته .
و كان فخورا بها , فجريدته ليس لها مثيل , و من الأشياء التي تُفرح الإنسان الطيني أن يمتلك شيئا لا وجود لشبيه له ..
جريدته السحرية نادرة .. و هو يُحب ذلك و يحسده الحاسدون على ذلك , و يتمنى بعضهم لو يغفل عنها بجانبه يوما فيسرقوها دون أن ينتبه .
لكنه لم يغفل .. !
و جريدته لم تغفل أيضا !

لم تكتفِ جريدته بقارئ يقرأها ليل نهار , كانت ترى أنها كجريدة سحرية لا يستحق أحد أن يملكها لتكون جريدته وحده فقط , و تذكرت قارئ قديم لها , و قررت أن تتقاسم أخبارها بينهما , و فعلت .
لانها جريدة سحرية , خلقت من نفسها صورتين , صورة لصاحبها الجديد , و صورة لصاحبها القديم
لكن سحرها لم يكن بكفاءة ليجعل الأخبار متشابهة
فأصبح الخبر المُفرح هناك نكدٌ هنا , و الحفل الراقص هناك معزٌ هنا, و خبر فوز الأهلي هناك هزيمة هنا
أصبحت أخبارها مضطربة , و صورها مشوشة , و فنون زُخرفها باهتة
و بعد حين .. عندما أمسك صاحبها الشيشة تركها بجانبه دون أن يقرأها
و الآخر .. بدلا من قرائتها أمسك بعض الأحبار و شوه زخرفها
و في النهاية أمسكت الجريدة بصفحاتها و بأوابها و العواميد و الكلمات و الحروف .. و جمعت منهم من لم يُشوه بالحبر المسكوب
و رحلت .
خسرت صاحبها و خسرها .
جريدته السحرية