Friday, June 14, 2013

أستاذية الإسلام و تلميذها الخائب .

من المُلاحظ في هذه الفترة تشابك الأصول الثابتة مع الفروع المؤقتة الفانية ..
كتشابك فكرة الدعوة الإسلامية

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ

مع شكل الدعاة الآن و شيوخ الفضائيات , الذي يغلب عليهم  عبوس الشكل , و حدة الصوت , و سطحية المضمون , و الجهل بالحياة , و استجلاب المنفعة الشخصية .

فأنتج ذلك التشابك امتعاضاً من الدعوة و تشككا فيها , و ليس فقط من الدعاة .

و قِس على ذلك المثال الكثير .

فتقزمت فكرة أستاذية الإسلام في بعض - كثير - النفوس , بتقزم فكرة أستاذية الإخوان , في تشابك مُر .

هل الإسلام يستحق أستاذية العالم ؟
سؤالٌ يحتاج إلى التمعن فيه برويِّة دون أحكاما مُسبقة , سواء كانت أحكاما بالسلب أو الإيجاب , لتبني فكرتك , و أبني فكرتي معك بطريقة أعمق من القشور الشائعة .

عندما أتى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كان أقوى ما يملكه هي فكرته , فكرة الرسالة التي أُرسل بها , تلك التعاليم المستنيرة التي أتت في عصر كان يحتاج إلى بعض النور .

و كانت دعوته سرية , ثم جهر بها , قبل أن يبني - صلى الله عليه وسلم - تنظيما أوليا ثم دولة صغيرة , ثم مترامية الأطراف .

دولة الرسول كانت متفردة بتأييد الوحي لها , فلم يكن - صلى الله عليه وسلم - ينطق عن الهوى فيما أوحي به إليه , لكن كان الأمر شورى في غير ذلك ..
و اختلفت دولة الخلافة عن دولة الرسول بإنقطاع الوحي ..
و كانت القاعدة " أنتم أعلم بأمور دنياكم " .. سائدة في كثير من الأمور .. بما لا يخالف ثوابت دين , دين أساسه العدل .

لكن مع الوقت أصبحت الأخطاء ممكنة , فقُتل خليفة , و تم التآمر على خليفة , و عاش خليفة في فتنة حربٍ بين أصحاب الدين الواحد , ثم تحوَّل الأمر لخلافة بالتوارث بدءً من معاوية ..

ذلك الشكل المتغيِّر لطريقة الحكم و ظروفه يعود بنا للنقطة الأولى .. هل الإسلام يستحق أستاذية العالم ؟
بالرغم من ذلك التغيٌّر في شكل الحكم على مدى فترة زمنية قصيرة بعد وفاة نبي الإسلام .. !

أجاوب باقتناع تام : نعم ..

فلو لم يكن ذلك التغيُّر موجودا .. لما استحق الإسلام أستاذية العالم .. !

الإسلام بثوابت عقائدية , و أخلاق تتماشى مع فطرة البشر , و أمورٌ متغيِّرة طبقا للزمان و المكان .. و براح .
براح يسمح للبشر أن يكونوا بشرا .. بلا كهنوت أو تضييق على الإنسان ..
فثبَّت قيمة أننا أدرى بدنيانا .. و من الطبيعي أن نخطئ و نصيب فيما عرفنا و فعلنا .. و لو لم نكن كذلك لكنا ملائكة منزلين , او مستبدين ظالمين ...

نفى الأولى عنَّا بقوله صلى الله عليه وسلم  : (لو لم تذنبون لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم)

و إذا رفعنا كلمة ( ذنب ) و وضعنا ( خطأ ) لوجدنا أن الجملة مازالت صالحة ..
بل أن الخطأ البشري في إدارة أموره أخف كثيرا من الذنب في حق الخالق بمعصيته ..
نحن بشر ... هكذا أخبرنا الدين و هكذا فتح لنا مجالا لنمارس بشريتنا بكل ما فيها من أخطاء و تجارب و نكسات و انتصارات

أما الإستبداد .. فنفاه الإسلام كُليَّة .. فجعل العدل قيمةً كبرى .. \
و عبَّر ابن تيمية عن ذلك الأمر فيما يخص الدولة بقوله :  "إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة،"

و قد كان الزمان شاهدا على صحة تلك المقولة من قبل قولها و من بعدها .

الإسلام أتى بشرائع لضبط إيقاع المجتمع .. لكن الدين يُؤخذ بالكلية و ليس بالقطعة ..
فعندما قال عز و جل " أو يُنفوا من الأرض " .. كان ذلك مُتاحا وقتها .. لكن في هذا الزمن أصبح الأمر صعب التنفيذ .. فكان السجن أشبه ما يكون بالنفي - كما يقول فرج فودة - لكن السجن أشد قسوة بتقييده الكامل للحرية ..

فكثيرٌ من الأمور تعود إلى قوله صلى الله عليه وسلم  " أنتم أعلم بأمور دنياكم "
لكن البعض يتعامل كما تعامل بنو إسرائيل مع البقرة .. فيُعقدِّون ما يسره الله لهم بكثرة التمحيص و السؤال في غير موضعه .

و كذلك في الإقتصاد و العلاقات الإجتماعية , و العلمية و غير ذلك من الأمور ..
وضع الله أُطرا عامة و ترك لنا الإجتهاد كلٌ في مكانه و في تخصصه ..

فحرم الربا و حلل البيع .. كقاعدة , و ترك لنا تفسير الأمر دينيا مع إختلاف أشكال التعاملات المالية .. و أيضا مجالا واسعا للإقتصاديين ليضعون نظرياتهم بما يتوافق مع المجتمع الصغير و ظروف العالم المُحيط .

حث على العلم بكل طريقة ممكنة .. و ترك لنا اختراع الأدوات المناسبة للحصول عليه بأفضل وسيلة مناسبة .

ساوى بين الرجل و المراة في الثواب و العقاب .. و إن فرَّق المجتمع في ذلك ظلما و عدوانا .

أستاذية الإسلام .. ليست فقط في سمو أفكاره و تشريعاته و قواعده .. لكن أيضا في السماح لنا بأن نمارس بشريتنا بطريقة طبيعية .


(  الجماعة الربانية )

ذلك اللفظ الذي يطلقونه على أنفسهم - في الغالب - يصطدم بداية مع الفكرة الأساسية .. كون البشر بشر , و كون الوحى إنقطع ..
فربوبية البشر أو الجماعات غير موجودة .. و كلٌ يجتهد في تفسيره للأمور و يُؤمن بأن الحق معه .. و الحق في الأساس إجتهاد  ..

و إلا فلا عيب  و لا خطأ أن تُكفِّر بعض الجماعات الإسلامية الإخوان .. و تقول عنهم ما قال مالك في الخمر , و هم مؤمنون بأنهم جماعة ربانية أيضا ..
أو السلفيون الذين يعتبرون الإخوان على ضلال و ابتداع .. و يعتبرون أنفسهم جماعة ربانية أيضا .

فهل لكم أربابٌ مُختلفة ؟ أم أن المبدأ في الأصل خطأ ؟

لا أعتقد أن سمة أحد - إلا قليلا - يتصوَّر أنه يبني دولة يبغض إقامتها الله .. لا أحد يُحارب الله هنا !

لكن البعض يفعل ذلك عن طريق الخطأ .. و الله سيحاسبنا جميعا لاحقا .. لكن من يفعل ذلك و هو مُدعي أن جماعته ربانية يختلف عمن يفعل ذلك و هو مؤمن بأن جماعته بشر .. ليس إلا ! مؤمن بذلك فعلا و ليس قولا فقط .

ذلك الدرس لم يعيه الإخوان - الحاليين على الأقل - فجعل من أستاذيتهم المُدعيَّة .. خيبة ثقيلة .

ففي إدارتهم للدولة - خلال سنة - أو ما قبل ذلك بعد الثورة أو قبلها .. قد يكون الأمر به كثير من التخاذل أحيانا و كارثيا أحيانا أخرى بقرارات خاطئة و أفكار ضيِّقة ..
جعلت سيف الدين عبدالفتاح .. الذي ينتمي إلى مدرسة الوسطية يقول عليهم بوضوح ( أنهم جماعة ضيقة الأفق ) و ذلك بعدما تعايش معهم في قصر الرئاسة فترة لا بأس بها .

ذلك ضيق الأفق , و تلك الأخطاء السياسية .. لا تتوافق مع تلك الأستاذية ... فهم مثل تلاميذ كلية ( تجارة إنجليزي ) البلداء .. من يتفاخرون بمناهج عظيمة أتت كُتبها من الدول الغربية محتوية على علوم رائعة ... لكنهم دائمي الرسوب !


ليسوا أساتذة للعالم فهم خائبوب .. لكن ربط خيبتهم بأستاذية الإسلام .. تشابكٌ خاطئ , الجميع يتحمل أسبابه و نتائجه .