Monday, November 5, 2012

الدين و السياسة

أنا مسلم ( والله العظيم ) أؤمن بأن الإسلام ( خصوصا ) هو أهم حاجة في حياة المسلم و يتداخل تقريبا مع جميع جوانب حياته ..
و من ضمن إيماني بهذه النظرية أن الإسلام أعطي مساحات واسعة ( الأكبر ) للإنسان لكي يُصرِّف أمور حياته و يختار بعقله طريقه و أفكاره , و أيضا بأن الإسلام يعني العدل .. فأينما وُجد الإسلام وُجد العدل و إينما وُجد العدل وُجد الإسلام .. 

  مُقدمة حلوة ؟ طيب بس بالرغم من كده بقول إن لا دين في السياسة ..
بعتبر إن عبارات ( الإسلام هو الحل ) ( الشريعة هي الحل ) و غيرها ... عبارات على سبيل الاستهلاك المحلي عندما تستخدم سياسيا .. بينما قد تكون فلسفة عميقة و جيدة إذا استخدمت اجتماعيا  .
سياسيا ... لم يستخدم أحد من الأولين تلك الشعارات .. و لم تُذكر في تاريخهم .. فعندما ذُكر عُمر  بن الخطاب ذكر بالعدل و ليس غيره .. و عندما ذكر عمر بن عبد العزيز ذُكر بالورع و الزهد و حسن التوزيع و عدله ..
ذلك كان الأهم .. القيم ..

تفاصيل حديثنا عن الشرع - سياسيا - تفاصيل بسيطة و أولية , ففي الغالب نتحدث عن الأمثلة الشهيرة كقطع اليد .. لكن الشريعة في كتبها بحار تتداخل في أغلب أمور الحياة و يختلف فيها المُشرع بناءً على تفسيره لنص قوي أو ضعيف .. و الإختلافات قد يكون الأمر و نفيه .
فكيف نختار ؟
بإرجاع الأمر للقيمة الأساسية .. العدل
فنقيس صحة الشيء بصحة تحقيق العدل به في عصرنا الحالي .. لكن يبقى السؤال نبحث عن العدل أولا أم نُقلـِّـب في الشرع أولا ثم نحاول مطابقة الرأي المختار بالعدل ؟
دعنا نتحدث بالمنطق .. هل يغلب الخاص على العام أم العام على الخاص ؟
إذً ... هل تحدث الشرع بطريقة واضحة و محددة عن أمور أكثر ؟ أم كان صمته أو تركه الأمر للمُشرِّع البشري أكثر ؟
فكِّر .. ستجد أن الصمت هو الغالب بما يتوافق مع تعامل الله مع الإنسان و الإسلام مع معتقديه ..

فالمجاري ( التي تحدث عنها صفوت حجازي ) لا يُمكن ان تكون شرعية .. فأمر المجاري لا علاقة له بالشريعة .. لكن له علاقة بقيمة العدل بأن تكون المجاري هي خدمة مُن الدولة في جميع الأحياء سواء غنية كانت أو فقيرة .

الصحة .. هل تطبيق الشريعة بأن نتوقف عن العلاجات الحديثة و نكتفي بعلاجات العرب القدامى ؟ أم أن الأمر ليس له علاقة بالشريعة و له علاقة بالعدل في رعاية الفرد رعاية صحية متكاملة بغض النظر عن مستواه المادي أو الإجتماعي .

حتى شريعة ( قانون ) قطع يد السارق .. عندما أتى على ذكرها الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) .. ذكر العدل فقال إن سرقت فاطمة  لقطعت يدها .
 
إذً أفهم من ذلك .. أن البحث عن قيمة العدل هو الأولى عن البحث في كتب الفقه عن أراء الفقهاء , فإذا وجد العدل فاعلم ان هنا , و هُنا فقط , سُتطبق الشريعة .

هل من المعقول أن يتبنى حزبا إسلاميا برنامج إقتصادي منبعه بالكامل القرآن و السنة و أراء الفقهاء ( لم يفعل أحدهم ذلك ) .. ثم يكون هذا البرنامج عائده على الفرد عدم تحقيق العدل ثم نقول هو الشريعة ؟ و هل إذا حقق برنامج آخر العدل نصمه بعدو الشريعة و نأمر بذبحه ؟
ستجيب بنعم .. فإن لم يكن موافقا للشريعة سيكون ظلما و إن رأينا فيه العدل ..
لكن ما هو الأفضل أن نتحرى عن العدل و إن أخطئنا .. أم نتحرى عن الشريعة و إن ظلمنا ؟

سأحيلك لفكرة أخرى تتعلق بنفس المثال , كل الشرع يتوقف ( تقريبا ) عند الإضطرار , فالربا حرام لكنه جائز للمضطر , و عندما نقول المضطر فالأمر يعود لضميرك و علاقتك بربك دون تدخلا من أحد .
التخلص من الربا و نحن نتعامل مع عالم ربوي لن يكون إلا بالإنفصال الكامل عنه , لكن و إن تخلصنا منه بعض الشيء فالإسلاميون الآن يقترضون رباً سواء قروض داخلية بفوائد كبيرة أو قرض صندوق النقد الشهير مُؤخرا ( بغض النظر عن تبرير الرئيس له دينيا و الذي كان سقطة منه ) .. سنرى أن الأمر في النهاية عاد إلى هل مصر مُضطرة أن تقترض أم أن القرض ليش ضروريا ؟
و إن أحلنا الأمر للإضطرار فسنجده بالتبعية أُحيل للعدل .. فإن كان أمرا يُمكن الإستغناء عنه كان ظُلما أن تتحمل مصر تبعاته , و إن كان إضطراريا كان مُحققا لقيمة العدل و لو نسبيا ..
و عندما نُحاول أن نُقرر هل نحن مضطرين له أم لا .. لن نُحيل الأمر للشافعي او المالكي أو ابن باز .. بل سنُحيله لأهل الإقتصاد أولا و للساسة ثانيا ..

إذا بدأنا هذه السلسة بطريقة عكسية سنجد .. الإقتصادين يقررون إذا ما كُنا بحاجة للقرض , الساسة يقيسون الأمر من المنفعة السياسية , و من ثم سنقرر الإقتراض من عدمه ..
أين الشريعة في ذلك ؟ و هل تدخلها سيغير من الأمر شيئا ؟
فليس من المعقول أن تقترض الدولة ( أي دولة ) بدون حاجة مُلحة و إلا كانت دولة فاسدة .

دولة فاسدة ؟ كيف نمنع ذلك ؟
بدخول الدين في تربية الفرد و المجتمع ..
الدين بقيمة و رقائقه و عباداته ..
في الأسرة و المدرسة و المسجد  ( و الكنيسة أيضا بالطبع لكني أتحدث هنا عن الإسلام خصوصا ) .. و في كل مكان ..
هذا يُربي المُجتمع على الإسلام و قيمه .. فيجعل السياسة تتحرك تلقائيا في إتجاه العدل و هو ما يُحقق الشريعة .

أمرٌ آخر ..
هل الشريعة هي منع الحريات قهرا ؟ أم أن المجتمع هو من يُقرر لاحقا الحريات المقبولة و يلفظ ما دونها فتتحول حرية المجتمع و الفرد بتلقائية إلى اتباع أوامر الدين و اجتناب نواهيه ؟
الأولى هو الظلم الذي يُحول المجتمع لمجتمع منافق , و الثانية هي العدل الذي به تُطبق الشريعة .
و في النهاية في عز ابتعاد النظام عن الإهتمام بالشرع كان المُجتمع يُحدد حرياته طبقا لقيمه التي يُؤمن بها فلا يتجاوزها ,, فما بالك الآن ؟

دخول الدين في السياسة بالطريقة الشائعة الآن قلل من شأنه ( نظريا ) لأنه في رأي المتابع لم يجد فيه حلولا سريعة لمشاكل المجتمع و الدولة , بل أن معتنقي فكر الإسلام السياسي و قفوا عاجزين عن تسخير الدين لتحويله لحلول آنية و دائمة و عملية بعيدا عن الصور الخيالية التي تصلح لكتب الفلسفة الإنسانية ..
و اضطروا في معظم الوقت للمتخصصين ... و أنا أعتقد أن هذا هو جوهر الدين نفسه ..
لكن الجميع يلجأ للمتخصصين و ليس هم فقط !

إذً ما الفارق ؟
لا فارق إلا البحث عن العدل ..

فأي فصيل سياسي يبحث عن العدل سيكون باحثا عن  الشريعة و إن لم يعِ ذلك .

فمرة ثانية ... إذً ما الفارق ؟

الفارق هو إكتساب أصوات سياسية عن طريق شعارات المجتمع هو الذي يُقررها على الأرض بدون احتياج للساسة على الكراسي
فالمتحرشون لن يتوقفوا عن التحرش في حكم الإخوان السياسي .. لكنهم سيتوقفون عنه عندما تتغير اخلاق المجتمع

المعركة التي يخوضها رافعوا الشعارات الدينية في السياسة بعيدا عن منافسة البرامج العملية .. هي معركة خاطئة إن كانت نيتهم صافية .. فمعركتهم الحقيقية هي إدخال الدين للمجتمع .. إدخاله بطريقة تجعل المظهر و المخبر على نفس المستوى من التدين و الأخلاق ..

أما إن كانت نيتهم غير ذلك .. فاستغلالهم للدين يجعل الدين بريئاً منهم ..