Monday, January 27, 2014

في الذكرى الثالثة لإنتهاء الاستقرار : ما بين العزة و الخسة جنرال

منذ ثلاثة سنوات كانت مصر تنعم بالإستقرار, استقرار بحث عنه المواطنون بدأب من بعد قيام تلك الثورة التي كسرت ذلك الإستقرار, و أصبحت كل وسائل الإعلام تتحدث عن ذلك الاستقرار الذي يسعى إليه الجميع, و يجب أن يسعوا إليه.

هذه هي الذكرى الثالثة لانتهاء ذلك الاستقرار, أكثر من ثلاثين عاما من الاستقرار الجميل
ذلك الاستقرار الذي انتشرت فيه أمراض الكُلى و الفيروس الكبدي سي, و تخلت مصر عن دورها الإفريقي حتى أتت أثيوبيا لتقرر غلق صنبور النيل عنا دون أن تتدخل الدول الأفريقية قائلة لها : عيب اختشي
استقرار باع فيه مبارك و ابنه نصف البلد بأبخس الأثمان, و توغل فيه الإبن في الحكم ليصبح مبارك و عائلته يحكموننا, 
عزبة يفعلون فيها ما يشاؤون, 
استقرار في التعذيب داخل السجون, و انتهاك كرامة الإنسان, و تفشي البطالة و انهيار العملية التعليمية, 
استقرارٌ جميلٌ في الوحل.

فكل سنة و انتم بخير بمناسبة الذكرى الثالثة لنهاية الاستقرار.

****

في يناير 2011 و عندما خرج الملايين في جمعة الغضب يعبرون عن غضبهم من النظام و ينادون برحيله, قتل النظام منهم ألفا, بينما يتباكى البعض على قنوات التلفاز و غيرها على الاستقرار الذي شارف على الرحيل, فتلك لا تستطيع أن تشتري "ريش و بيتزا " لابن أخيها, و هذا يتحدث أن هؤلاء الملايين ما هم إلا خدعة عن طريق " الفوتوشوب " و أن الميادين ليس بها أحد, و شنوا هجوما عنيفا على كل من ينزل للتظاهر, فبعضهم عملاء, و بعضهم يتظاهر حتى يحصل على وجبة كنتاكي.

شتموهم و سبوهم و قالوا فيهم ما قاله مالك في الخمر..

 ثم رحل مبارك.. فنزلوا يحتفلون برحليه.. طبقا لنظرية " قشطة " تلك النظرية التي تقول أن شجرة الدر تولت حكم مصر فقال المصريون قشطة, ثم تنازلت عنه لعز الدين أيبك فقال المصريون قشطة, فقتلته فقتلتها زوجته الأولى و تولى ابنها الحكم فقال المصريون قشطة, فدخل التتار مصر و سألوا " لما نحب نكلم الشعب نكلم مين " فخرج قطز و تولى زمام البلد فقال المصريون قشطة, ثم قتله بيبرس و تولى بدلا منه الحكم فقال المصريون قشطة...
و هكذا هي نظرية القشطة امتدت على طول الخط و عندما رحل مبارك بالثورة عليه نزل ليحتفل بها المصريون الذين شاركوا فيها و المصريون الذين قالوا عليها مؤامرة .. و قال الجميع قشطة.
****

خلال ثلاثة سنوات بدأت الثورة المضادة ببث الأفكار المعادية للثورة بإيهام الجميع بوجود مؤامرات قام بها عملاء, و ساعدهم في ذلك كتيبة إعلامية فاسدة تعمل بالأمر المباشر من أعداء الثورة.

عندها عاد كلٌ إلى أصله, فمن كان ضد الثورة و قال " قشطة " عندما رحل مبارك, عاد و قال " قشطة " و أصبح ضدها, و هكذا عادوا إلى خندقهم القديم.

حتى جاء الجنرال, بيدٍ مرتعشة تحارب الارهاب و قبضة حديدية تُنكل بالمعارضين, 
قتل المئات و اعتقل الآلف و نشر الخوف و الرعب و قضى على الحريات و انتهك الحياة الخاصة و العامة للمواطنين و أغلق القنوات و قصف الأقلام و ورط الجيش في السياسة طبقا لطموحاته الشخصية و أهواء نفسه.

و في يوم 25 يناير, طلبوا من الناس الإحتفال.. 
فنزل الآلاف, هؤلاء الآلاف الذين كرهوا الثورة دائما, و قالوا عنها أنها مؤامرة, نزلوا ليحتفلوا بثورة غيرهم, بينما غيرهم هؤلاء الذين قاموا بتلك الثورة يُقتلون في شوارع القاهرة و بعضهم بالقرب منهم لا يفصل بين هؤلاء المحتفلين و هؤلاء المقموعين إلا مائة متر..

المشهد سريالي..
آلاف كارهي الثورة يحتفلون بها في ميدان الثورة, و بجانبهم مئات الشباب الذين قاموا بالثورة يُقتلون.. 
و هؤلاء المحتفلون يُلقون القبض على من يقع تحت أيديهم من هؤلاء الثوار أصحاب الثورة 

يحتفلون بينما " سيد " الذي جمع مئات التوقيعات لرحيل مرسي, يأخذ رصاصة في صدره, و ياسين الذي كان في صفوف الثوار ضد الإخوان مُعتقل.

هؤلاء الشباب المقموع الذي بحث و مازال يبحث عن عزة الوطن و الشعب, و هؤلاء المحتفلون الذين مارسوا كل خسة فلم يكونوا يوما إلا ظهيرا للباطل بكل قبحٍ و فجور.

ليس هؤلاء هم الشعب حتى لا " يتفزلك " أحدهم بأني أسب الشعب, فالشعب المصري عنده أصل و كرامة و شهامة لا يقبل أبدا بذلك المشهد, لن ينزل ليحتفل فوق دماء أبنائه, لن يقتل أحلامهم, لكنهم حفنة لم تكن إلا مع الظلم منذ البداية
, لكن بوجود الجنرال وجدوا فرصتهم ليعلوا صوتهم الخافت, ليُخرجوا غلهم و كراهيتهم و أمراضهم النفسية, 

كان وجود الجنرال إيذانا بظهور خستهم
لكن خستهم لن تأتي لذلك الوطن المكلوم بالاستقرار
****

في الذكرى الثالثة لانتهاء الاستقرار, لن يأتي الاستقرار بقتلنا في الشوارع و إعتقالنا بدون تهم, و قطع ألسنتنا 
لن يأتي الاستقرار بقمعنا بدبابة تقف فوق رؤوسنا, أو جرينوف يحمله أحدهم في مواجهة مواطنين سلميين

لن يأتي الإستقرار إلا بعدالة إنتقالية تحاكم كل من طغى و انتهك الحرمات و الدماء.

بالعدل نصنع دولة, بينما ذلك الظلم إيذانا بخرابها

استمروا في غيكم و خستكم بغرور قوتكم.. فثورتنا ستنتصر و لو بعد حين
و حينها لن نقبل منكم قول " قشطة "

Tuesday, January 21, 2014

ردا على صديقي الإخواني

وقعت تحت يدي رسالة من شاب ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين أعرضها عليكم بعدما أرسلت له طلبا بنشرها

يقول :

السلام عليكم .. أنا من شباب الإخوان .. كنت بنزل فى فعاليات خالد سعيد .. مش كلها بأمانة .. لكن زى شباب كتير كان نفسى أعمل حاجة ضد الظلم .. وقعت على المطالب السبعة للتغيير .. 
نزلت يوم 25 فى الإسكندرية .. ماستنيتش قرار الإخوان بالمشاركة .. نزلت فى شارع أبو قير .. اتحمست جدا لما شفت شباب كتيييير مشاركين .. كنت أول مرة أشوف ماهينور وشباب 6 أبريل والإشتراكيين .. فرحت أوى لما شفت شباب كتير من الإخوان مشاركين .. أجمل هتاف حبيته بجد كان : كلنا إيد واحدة .. كلنا مع بعض .. كل اللى نازلين مفيش فرق مابينهم .. فاكر الشاب اللى وزع كمامات علينا عشا الغاز وعرفت بعد كده إنه إخوان وممسوك دلوقتى .. وفاكر البنت اللى وزعت مايه علينا وماكنتش محجبة .. محدش مهتم بالحاجات دى خالص .. كلنا إيد واحدة ..
وخلص اليوم وماكنتش متوقع إنه بداية الثورة 
وجه يوم جمعة الغضب .. وانسحبت الداخلية قصادنا عند باب شرق .. نزلت الحمد لله كل أيام الثورة .. كان نفسى أموت شهيد ساعتها عشان بلدى .. شاركت فى ائتلاف جوه الكلية وانا بمثل شباب الإخوان .. ربنا يعلم إنى بذلك كل جهدى إنى أجمع الكل تحت كلمة واحدة وإننا منتفرقش , وفعلا كنا إيد واحدة فى الكلية عندنا .. وحتى بعد الاستفتاء حاولت أجمع كل الطلبة من كل القوى السياسية فى كليتنا مرة تانية عشان نتوحد بعد فرقة الاستفتاء ..
وجه أيام محمد محمود .. ماسمعتش كلام مسئولين كتييييير من الإخوان - ربنا يسامحهم - إننا لازم ماننزلش والنزول ضد الاستقرار ولازم نبنى المؤسسات .. نزلت سيدى جابر فى الإسكندرية .. سموحة .. صحيح مانزلتش كتير لأن الإسكندرية مش زى القاهرة ووضوح الرؤية عندنا ماكنش زى هناك .. لكن أرضيت ضميرى الإنسانى إنى أرفض مشاهد القتل والسحل من الشرطة العسكرية والداخلية ..

ونزلت فى ذكرى يوم 25 مع الإخوان عند القائد إبراهيم .. ولما المسيرة اللى كانت بتهتف ضد العسكر عدت كملت معاهم .. لأن هدفنا واحد .. أنا شايف كده فعلا ..

كنت فى انتخابات الرئاسة بعمل دعاية لأى مرشح ما عدا الفلول .. وكانوا المسئولين بيلومونى .. لكن كنت شايف إن مصر لازم يحكمها حاكم مدنى مهما كان انتمائه .. صحيح كنت بدعم مرسى لكن ماكنش يفرق معايا أبو الفتوح يكسب أو صباحى .. 

الإخوان غلطوا كتير .. والقوى السياسية غلطت كتير ..

أنا عاوز أوضح .. إن فيه كتير أوى شباب زيى من الإخوان ومن قوى سياسية كتير نفسهم نبقى واحد من تانى .. إحنا تحركنا يوم 25 .. القيادات السياسية نزلت ورانا .. لكن إحنا بنتحمل تمن أخطأهم وحساباتهم السياسية .. نفسنا كشباب نتوحد تانى.. هيمشوا ورانا من تانى أكيد .. هيعترفوا بأخطائهم ويرجعوا معانا.. إحنا واثقين من نفسنا جدا .. هنرجع ثورتنا من تانى .. هنجيب مصر اللى حلمنا بيها .. عيش - حرية - عدالة إجتماعية - كرامة إنسانية
وافتكروا دايما .. كلمة السر : تونس !
"

إنتهت رسالته التي تمس في بعض أجزائها العاطفة,
و بالرغم من كوني أشعر بصدق كلماته و مدى حسن نيته و صدق سريرته, لكن عندي تساؤلات عدة و بعض التوضيحات

بعد تنحي مبارك بأسابيع قليلة بدأ مجلس طنطاوي سلسلة من الإنتهاكات ضد الثوار و خطط واضحة لضرب الثورة و أهدافها, وقتها اتجه البعض للسياسة بكل ما تعنيه من " نجاسة " كما أخبر مرسي عن الشاذلي, فبدأت التحالفات و المهادنات و كل صور النفاق في الابتسامات المنمقة على وجوه مرتدي الثياب الفخمة سواء كان مرتدوها بلحية أو حليقي الذقن.

لم يجد بعض الشباب القابض على جمر ثورته أي دعم من هؤلاء, و كانت تصرفات قيادات الإخوان خذلان للثورة و اتحاد مع من يقفون ضدها, 
فانتشرت الجملة " شباب الإخوان غير قيادتهم " و انتظرنا خروجكم من تحت سياساتهم و انضمامكم لحلم جيلٍ أقنع الجموع أن تسانده فيه.
لكن طال إنتظارنا و طال, حتى كانت مسيرة تسليم السلطة لمجلس الشعب التي قمتم فيها - أنتم الشباب - بناءً على تعليمات من قياداتكم بدور الأمن المركزي في الوقوف في وجوهنا صفوف وراء صفوف لمنعنا من استكمال مسيرتنا السلمية.

وقتها بدأ يعلو هتاف " يسقط حكم المرشد " بدلا من هتاف " يسقط حكم العسكر", و خرج الأمر من تحت أيدينا لسعة الثورة, و  دفعتوهم بالعداء إلى منتهاه.

ثم أصبحت تعليقات كثير منكم المسجلة في كل مكان تحمل كما من الكراهية و التخوين و طلب الموت و السحل لنا, كان هذا هو الصوت العالي من شبابكم, و الصوت العاقل لم يكن له مكان في كل ذلك الصخب.

و حدث ما حدث بعدما اتسعت الهوة, و تقطعت خيوط الثقة, و ابتعد البعض دون أمل في عودة.
الأمر ليس كما يسوقه البعض ساخرين في جملة " باعونا في محمد محمود " فهذا التعليق سطحي للغاية, لكن الأمر و الجرح أعمق من ذلك بكثير, فأغلبنا فقد الثقة بكم, لا يأمن وجودكم بجانبه بعدما قرأ و سمع و رأى بأم عينيه تبرير قتل بعضنا من قبل حكمكم و أثنائه, بل و تبني أغلبكم لنفس خطاب التخوين لجموع الثوار و الصهينة على خطاب القنوات السلفية التي كانت تسب في كل ما هو منسوب للثورة دون الإلتفات إلى حرمة دم أو نخوة رجال.
بل لأنه بعدما إتفقنا على " عصر الليمون " و أن نترفع عن كل ما قمتم به سابقا و قررنا إنتخاب محمد مرسي, كان هناك إتفاقا واضحا بيننا على تفاصيل دقيقة وافق عليها قياداتكم - بما فيها الرئيس - بحرارة و وعودة قاطعة.
ثم عندما نجح مرسي نكصوا عن وعودهم بطريقة كاملة, و انتم يا شباب لم تعترضوا, 

بينما نحن وقفنا ضد قتلكم و نقف الآن ضد اعتقالكم بالرغم من إختلافنا معكم, فلم نستحل دمكم و لم ندعُ له.
و أيٌ منا خرج عن هذا الأمر نبذناه و عرفنا أنه لم يعد في صفنا و لن يعود.


و الآن نصل للحظة فارقة .. 

كيف ننزل في نفس الصف و نحن مطالبنا غير مطالبكم, 
فنحن لا نُطالب بمحاسبة السيسي فقط, بل نطالب بمحاسبة قيادات العسكر الذي كرمهم مرسي
بل و نطالب بمحاسبة مرسي و محاكمته هو و بعض قيادات مكتب الارشاد و بعض وزراء حكومة قنديل, 
نحن نطالب بعدالة إنتقالية تطال الجميع, تحكم على من تحكم و تبرئ ساحة من تبرئ..

فهل ستقفون معنا في نفس الصف تطالبون بمحاكمة مبارك و حزبه, طنطاوي و مجلسه, مرسي وأصحابه, سيسي و رفاقه ؟

هل ستطلب محاكمة من تضع صورته على بروفيل الفيس بوك الخاص بك ؟

هل تتوقع منا أن نتغاضى عن شهداء سقطوا على يد الشرطة في عهد مرسي و على تعذيب حدث على بوابات القصر و على دور الشرطة الذي مارسه الإخوان تحت تبريرات مؤامرتية ما أنزل الله بها من سلطان و إن كانت ثقتكم فيها ثقة الإبن بأمه ؟

هل تتوقع أن نفعل كما فعل قياداتكم .. أن نتغاضى عن بعض مطالبنا فنطلب عدالة انتقائية معوجة تشمل الجميع ماعدا قياداتكم الذين حكموا فلم يسيروا على الطريق المستقيم؟

هل تطلب منا أن نضم عليكم أم أن تتضموا أنتم على تلك الأهداف التي كانت طريقنا دائما؟

فنحن نطالب بعدالة إنتقالية تحاكم كل من قتل و قمع و خان.. و نطالب بالحرية و العدل لخصومنا كما نطلبهم لنا..
فلو كانت أهدافكم مثل أهدافنا و ستهتفون معنا " يسقط كل من خان .. عسكر فلول إخوان" .. فاعلم انك لو نزلت معنا لن يسألك أحدٌ عن إنتمائك..

أما و إن كان ردك لا.. 
فاعلم بأننا لم نركن للعسكر لنحكم, و لم نركن لهم لنزيحكم, و لم نبيع ضمائرنا فنسير في ركب السيسي لنبعدكم, 

و لن نفعل ذلك الآن حتى نزيح العسكر...

زنوا الأمور بمكيال واحد.. أو اتركونا في حالنا...
فثورتنا مازالت مستمرة


_____
على مدونتي
http://sada-sawt.blogspot.com/2014/01/blog-post_21.html

Monday, January 20, 2014

حالة إحباط أم غضب ؟

رسائل النظام للشعب دائما ما تكون مُكررة, نفس التفاصيل في نفس الظروف بنفس الطريقة,
ففي بعض الحالات يبثون رسائل التخويف, فأنت في خطر, يجب ألا تتوقف عند أي أمرٍ تراه خطأ لأن " مش وقته " فأنت في خطر.

و في حالات أخرى عندما يرى النظام أن حالة الرفض متصاعدة الوتيرة بشدة, يبث فكرة أخرى بجانب الفكرة الأولى, فكرة الإحباط, فأنت يا صديقي مُحبط, و المُحبط لا يفعل شيئا إلا الإرتكان إلى عزلته و محاولة تسيير أموره بما تسمح به الظروف, الرضا بالأمر الواقع أمر حتمي.

لكن يا صديقي في حقيقة الأمر, لا يوجد خطر عليك إلا خطر السلطة, و تستطيع أن تستبدل حالة الإحباط بحالة غضب.

**

الشعب هو القوة الهادرة التي تستطيع فعل أي شيء إذا ما وثقوا بقدرتهم على ذلك, هم الجمعية العمومية لأي وطن, و الشباب هم عماد كل ذلك, 
و الأنظمة المتعاقبة على الحكم في مصر, حاولوا دائما بث شعور عام في الشعب بأنهم لا يملكون تلك القدرة على التغيير, أنهم مكسورو الجناح, و أن النظام يملك من وسائل القوة القادرة على إخراسهم, و أن من خاف سِلم. 
هذه رسائل بثها النظم دائما, لكنها رسائل خاطئة.

بعد الثورة إرتفعت حالة ثقة الشعب بنفسه, وصلت للقمة, كان الشعب يستطيع أن يُحقق المعجزات وقتها, الكل يُريد تحقيق العدل, الكل مستعد أن يتطوع في أي مكان لتدور عجلة الدولة, الكل على استعداد أن يمنع فساد الحكومة و موظفيها, اي موظف مرتشٍ توقف عن طلب رشوته لأن هناك عشرات الناس سيمنعونه و يبلغون عنه,
كانت جموع الشعب تشعر بحقيقة شأنها, تشعر بقدرتها على بناء مصر الديمقراطية دولة المؤسسات و الحريات صاحبة إرادتها المستقلة, كانوا يشعرون أنهم يستطيعون تحرير فلسطين غدا بأيديهم العارية لو أتيحت لهم الفرصة.

و كانت تلك هي معركة النظام الكبرى, تلك الثقة خطرٌ على أي نظام يسعى إلى تحقيق مصالحه لا مصالح الوطن, فالوطن لا يُرفع شأنه إلا بتلك الروح التي تتجاوز ضيق الأنظمة المستبدة و ركونها للمصالح التي دائما ما تحكمت في طريقة حكمها.

مع الوقت بثوا إحباطا بأن " الشعب " لا يستطيع محاكمة من قتله و أفسد حياته سنينا طويلة, فكل من تم تقديمه للمحاكمة حصل على براءته, و أن من سيقتل لن تتم محاسبته, و سنترككم تتظاهروا في الحدائق و نوزع عليكم " بونبوني " أو نقبض عليكم إذا أردنا,
و أن بكل تأكيد العين لا تعلو على الحاجب, و أن ببساطة ثورتكم فشلت, لا تفعلوا ذلك مُجددا.

صديقي.. إنهم يكذبون عليك.

**

الخطر الأكبر على الثورة هو أن تقتنع أن الثورة قد فشلت, بينما الثورة مازالت مُشتعلة تحت الرماد بانتظار أن تُقرر أنت النفخ فيها لتستعر و تأكل كل ظلمٍ و فسادٍ تمارسه السلطة الحالية, 
هم يخشون ذلك, يخافون أن تعرف أن قدرتك على التغيير هي الأساس, 
 يخشون أن تعرف أن لا وطن إلا بك, فأنت يا صديقي هذا الوطن.
**

يُحكى أنه كانت هناك حظيرة خيول, يحكمها فرسٌ مُخضرم, هذا الفرس أقنع الخيول مع مرور الأيام أنهم ليسوا خيولا, أنهم مُجرد حمير, استبدل أكلهم بفضلات أكله, و علمهم أن الصهيل ليس صوتهم, و أن صوتهم هو النهيق, 
اقتنعوا و صاروا كما الحمير بلاإرادة, يستمعون للأوامر و ينفذونها, 
حتى أتى واحدٌ من بينهم, فطن للخدعة, و صرخ فيهم أنهم ليسوا حميرا, و صهل صهيل الخيول, 
تعجبوا جميعا و جرَّب بعضهم الصهيل فوجده يستطيع الصهيل, و بعضهم استاء كثيرا من ذلك التغيير, فانقسموا على أنفسهم, البعض قرر أن يكون صاحب إرادته, و تأكد أن النهيق ليس صوته, و البعض أصر أن الصهيل ليس لهم,
كانت معركة بين من عرفوا حقيقة ما هم عليه, و بين من رضى بما أقنعوه بعكس حقيقة ما هم عليه.
و بالتأكيد تعرفرون أن الخيول تستطيع هزيمة الحمير.
**

الخط الرفيع الفاصل بين الإنتصار و الهزيمة, أن تعرف حقيقة ما أنت عليه, 
أن تعرف أنهم يُريدونك أن تشعر بالإحباط بينما تستطيع أن تشعر بالغضب
أن تعرف أنك - إن أردت - تستطيع أن تُسقط ظلمهم غدا

أنت حُر.. فلا تكن إلا حرا.

بكرة الثورة تقوم ما تخلَّي.

Wednesday, January 15, 2014

دعهم يخوضوا و يلعبوا

دعوني أقولها بأكثر الطُرق وضوحا,
فطبقا لما حدث في وقت لاحق من 30 يونيو، هو انقلاب عسكري كامل الأركان، و طبيعي أن تحظى بعض الإنقلابات العسكرية بتأييد شعبي من بعض كارهي النظام المنقَّلب عليه,
الاعتقالات العشوائية،و القتل بدون أي نيـَّة في المحاسبة، و تجاوز السلطة لكل قانون، و التنكيل بالمعارضة، و غير ذلك من الأعمال الإجرامية.. كل ذلك يعبر عن انقلاب عسكري واضح,

فكرة التأييد الشعبي للإنقلاب العسكري، فكرة مبالغ فيها و غير دقيقة، بعض كارهي الإخوان - أيا كان السبب - سيؤيدون الانقلاب عليهم و التنكيل بهم.
معارضوا الإخوان أصحاب المبادىء سيؤيدون الثورة الشعبية عليهم، أو فعل كل شيء لازم في اتجاه معارضتهم أو إسقاطهم دون انقلاب عسكري يُنكل بالجميع.

وصف الأمر بأنه ( انقلاب عسكري ) أمر ذو حساسية خوفا من التهمة الجاهزة ( أنت إخوان ) لكن الحق أحق أن يُتبع، و الأمر واضح وضوح شمس أغسطس.
و هو ليس انقلاب على الإخوان فقط، لكنه انقلاب على الثورة بشخوصها و أهدافها، فكل من شارك في يناير هو عدو السلطة حتى و لو كان له إسهامات في 30يونيو.
و لو كان السيسي من بعد 3-7 أطلق الحريات, و أعمل القانون, و دفع الأمر لاتجاه شكل الدولة لاختلف كل شيء.

***

هناك كتلتان جامدتان, كتلة مؤيدة لنظام ما قبل الثورة, و كارهة للثورة بكل ما نتج عنها, و كتلة مؤيدة للتيار الإسلامي و منتمية إليه, 
تلك الكتلتان لم يكونا يوما و لن يكونا قابلتين للتغيير, لكن أياً منهما ليست  الكتلة الأكبر.

فهناك كتلة ثالثة, متأرجحة بين هذا الرأي و ذاك, داعمة لهؤلاء مرة - طبقا لوعودهم الوردية - و ضدهم مرة عندما يخيب ظنهم بهم.

تلك الكتلة كانت مُعارضة لمبارك بطريقة واضحة, لم تملك صوتا مُرتفعا بسبب الخوف, لكنها كانت تلعنه و تلعن رجاله, و كان ذلك جليا في إنتخابات مجلس الشعب 2005 المرحلة الأولى,
و نتائج الإنتخابات في محافظة المنوفية مثالٌ صارخٌ على ذلك, فتلك المحافظة التي تتميز الآن بكرهها الشديد للإخوان, نجح فيها جميع الإخوان الذين تقدموا لإنتخابات مجلس الشعب, كان نجاحهم 100% و اكتسحوا مرشحي الحزب الوطني الحاكم.
و من الواضح تغير ذلك المزاج الآن لمزاج تسلم الأيادي.

هذه الكتلة المتأرجحة هي التي تُرجح إحدى الكتلتين على الأخرى, و من المُتاح تبنيها لطريقٍ ثالثٍ بينهما إن وجدته.
فمن يستطيع أن يرسم لها هذا الطريق ربح.

***

الفرح المُبالغ فيه بالدستور حدث من كتلتين, الكتلة الصلبة المؤيدة لدولة مبارك, و جزء مهم من الكتلة المتأرجحة,
أما الأولى, فلا أمل منها أو رجاء, فمهما حدث من النظام الحاكم سيظلون يدعمونه, حتى و لو كان الخير سيأتي لهم من نظام غيره,
التطرف هو السمة المسيطرة.

الثانية, عندها أمالٌ ضخمة مُتعلقة بهذا الدستور طبقا للوعود الضخمة التي قُدمت لهم, 
ينتظرون أن يروا ذلك المخلوق الذي سمعوا عنه كثيرا و لم يروه مُطلقا, و المُلقب بـ " عجلة الإنتاج ", يأملون - كما وعدوهم - أن يروها هذه المرة و هي تجري.
ينتظرون أن يُزوِّج الدستور بناتهم كما ألمح  الأبنودي في قصيدته المؤيدة للدستور,
ينتظرون أن يروا الاستقرار و التقدم و الرخاء, و يروا أنفسهم في عيون الفريق السيسي, و أن يروا بأم أعينهم مصر و هي " أد الدنيا" كما كانت أم الدنيا.

الوعود الكبيرة التي قُدمت لهم هي في الحقيقة محض هُراء و كذب, و سقف توقعاتهم المرتفع سيكون مصدر إحباط سريع, و نقمهم على السلطة سيكون أسرع, 
و في رأيي أن من الأسباب التي جعلت الناس ينقمون على مرسي سريعا, وعود المائة يوم الكاذبة التي لم يُحقق منها شيء, و لم يكن في إستطاعته تحقيق منها شيء, و ليس ثمة أحد كان يستطيع أن يُحقق منها شيء,
  لكنه وعد فتفاءل الناس, فحكم فلم يحقق وعده للناس, فكذب فخاب أمل الناس و نقموا عليه.

تلك الفرحة المُبالغ فيها سيكون مردودها عكسيا بنفس الطريقة عندما يكتشوف زيف تلك الوعود, و بأنهم ليسوا نور عين الفريق السيسي.

فالأنظمة التي تكذب على الناس بوعود كبيرة لا تستطيع تحقيقها لا تعيش طويلا، أما في أزمنة الثورات تعش فقط لبرهة ثم تسقط.

***

سقوط نظام الإخوان بعدما سقط نظام مبارك, و مجيء نظام بعدهما يتعامل مع الوطن بطريقة هيستيرية, مُقدما آمالا كاذبة دون حدود, قامعا جميع معارضيه و مُخلفا وراءه كارهين وراء كارهين, 
كل ذلك سيخلق فرصة لذلك التيار الذي لم يستطع أن يكون بديلا أبدا كحاكم, لكنه يستطيع أن يرسم خارطة طريق جديدة, مبنيَّة على العدل, و العدالة الإنتقالية, و محاربة الفساد و محاكمة الفاسدين و تطهير مؤسسات الدولة منهم, 
خارطة طريق تليق بمصر ما بعد الثورة, و تليق ببناء دولة حُرة تملك قرارها, فالظلم لا يبني الدول.

تلك الخارطة إن رُسمت للناس بوضوح, ستكون ملاذا لهم عندما يتحول الفرح لإحباط, و تتجلى الحقائق أمام أعينهم.

يجب أن يرسم بعضهم تلك الخارطة الآن, 
الأن و ليس لاحقا.

اللهم بلَّغت.

Friday, January 10, 2014

صكوك الغفران

عندما تحدثت عن عمليات القبض العشوائية, إنتبهت أنَّ كثيرا من المحبوسين في سجون الداخلية أصغر مني بعشر سنين على الأقل,
فعلَّق صديق بأنه يلاحظ صغر سنهم أيضا, ثم أضاف " لسه ما وعيوش على الدنيا " لم يلحظ إلا أنهم " لم يعووا على الدنيا ", لكنه لم يلحظ أن السلطة التي تحبسهم مُجرمة, إلا لو كانت تحبسهم بغرض توعيتهم.
أخبرته أنهم ينُظفون وساخات تركتها أجيالٌ قديمة, ركنوا للظلم و الاستعباد و الخوف, و تركوا الفساد ينتشر حتى أصبح الأصل.

هؤلاء الصغار هم أعظم من فينا.

يبدو أنه لم يقتنع.
***

من الشائع بمكان, جلسات الإستتابة التي يتعرض لها كل من عارض مبارك و مجلس طنطاوي, أو يعارض السيسي الآن وسلطته, 
تلك الجلسات أصبحت عامل مشترك بين جميع هؤلاء الذين انضم بعضهم للثورة عندما نجحت, هللوا لها, سبَّوا النظام الساقط, حيوا الشباب الذي حررهم, ثم عندما حمى وطيس معركة الثورة مع ضدها, إختاروا صفهم, فإما وقفوا في صف السلطة ضد الثورة, أو عادوا إلى صفوف الساكتين, عودا أحمدا.

و البعض كره الثورة من أول يوم, و وجد الآن ضالته, نعم نحن نكره ثورتكم, و نؤمن بأنها مؤامرة.

الصفوف تمت تذكيتها بدماء الشهداء, رحل من رحل, و بقت الصفوف متفرقة تنتظر الإصطفاف لنقيم الصلاة..
سنُكبِّر أربعا على نظامكم.
هذا وعد.
***

قُبيل الثلاثين من يونيو, إشتدت الأزمات, و خُنقت البلد, و كثرت دعوات النزول لإزالة نظام الإخوان, كان البعض يحشد لذلك اليوم لأن " الإخوان باعوا الثورة ", و البعض يحشد لأنهم " يريدون ديكتاتورا على هواهم, فهم لا يروون مشكلة في الإستبداد لكن عندهم مشكلة مع شخص المستبد" و البعض حشد " لأن النيل سيجف و الهرم هيتخرم و قناة السويس هتفتح وصلة جديدة على قطر "
حسنا .. كلهم حشدوا, و من ضمنهم كانت الحركات الثورية التي حشدت و هي متخوفة من تربص قوى الثورة المضادة بالحركة الشعبية إنتظارا لركوبها. 

وائل غنيم, أدمن صفحة من أكبر صفحات الفيس بوك, و هو شخص شهير يستطيع المساعدة في الحشد بطريقة كبيرة, 
وائل حشد لثلاثين يونيو عن طريق صفحته صاحبة الثلاثة مليون متابع و نيف
و سجل فيديو يدعو الناس فيه للنزول إلى الشوارع.

و بعد الثالث من يوليو, ابتعد, سكت, لم يُعلِّق على شيء, لم يتحدث لأحد, تقوقع في حياته الشخصية و ابتعد عن الأضواء, 
و أياً كانت أسبابه, لم يشفع له ذلك عند كهنة صكوك الغفران و أرباب الإستتابة,
فعندما أُذيعت له مكالمة تليفونية ليس بها أي شيء غير محادثات عادية, تغاضوا عن فكرة التسجيل, و فكرة التسريب, و عن فكرة حشده ضد " النظام الإخواني العميل", بل و رموا غنيم بالعمالة أيضا, و العجيب إن كان غنيم عميل فلماذا خرج على العملاء ليسقطهم؟ إنها حقا عمالة غريبة.

كانوا يريدون من غنيم ألا يكتفي بالسكوت, كانوا يريدونه أن يأتي و يسجد, و يطلب المغفرة, و يترجاهم أن يحرروه من الإثم, 
لكنه لم يفعل و سكت.

و إن كان ذلك السكوت لم يشفع له, فلم يشفع لمصطفى النجار شيءٌ أيضا,
لم يشفع أنه نزل إلى الإتحادية في الثلاثين من يونيو على رأس مسيرة كان بها ضباط داخلية, دون هتاف " الداخلية بلطجية " الذي إعتاد على هتافه الثوار الذين  يُعانون من " مراهقة ثورية " حسب وصف الشوبكي في مقاله الذي يدافع عن النجار فيه
و لم يشفع له أنه لم يكن من هتيفة " يسقط حكم العسكر " كما تابع الشوبكي عنه, 
لم يشفع له معارضة الإخوان, و توقيعه على وثيقة عنان, و مشاركته في كل إستحقاق إنتخابي بحثا على إستقرار يتوهمون جميعا انه سيأتي عبر صندوق لا يمنع الظلم و القمع و الاستبداد.

لم يشفع عند كهنة صكوك الغفران و أرباب الإستتابة كل ذلك, 
و عندما مسكوا عليه شيء, أي شيء و إن كان مُجرد وهم, تلفظت ألسنتهم بالكراهية و البغض و طالت الإتهامات كل شيء, 
فمازال العملاء يُحاربون العملاء..

و بغض النظر عن كل تلك الحروب الوهمية, من الواضح تماما أن هؤلاء الكهنة ليس عندهم أصل
***

في جلسة الإستتابة الأخيرة طلب مني أن أتوقف عن هذا العبث الذي أقوم به,
و طلب مني الذهاب لصندوق الإستفتاء لأدلي بصوتي.

وضحت له, أن هؤلاء الذين يدعون لـ(لا) يتم القبض عليهم و يُتهمون بقلب نظام الحكم, و عددت له مقابح النظام الحاكم, و كثرة مفاسده,

فأخبرني بحنق " أن ليس هناك ثمة مُشكلة من منع أي شخص يعترض على الدستور", 
ثم أكمل بنفاذ صبر " أنهم يعرفون أن النظام فاسد و يسرق لكنهم يرضون بذلك ", و أكمل, " لو مش عاجبنا نمشي و ما نعشي معاهم "

ثم جاء موعد الإستتابة فقال : بكرة تفهم.
***

في العصور الوسطى, عندما ابتدع كهنة و رهبان الكنيسة الكاثوليكية " صكوك الغفران " و باعوها للناس ليحصلوا على المغفرة, لم يُغفر لهؤلاء الذين اشتروها, و لم يتوقف بائعوها من رجال الدين عن الفساد و المفسدة

و حاربهم مارتن لوثر, و فضحهم, 
و كان مما قال 
(أن الإيمان هو خير وسيلة لتخليص الروح، وأن التبرير يكون بالإيمان وحده)

و نحن نؤمن بأن العدل هو الطريق الوحيد لإستقرار الأمم و رقيها, و أن الحرية هي القيمة الإنسانية الأولى, و أن الظلم و السكوت عنه هو طريقٌ ممهدٌ للخراب.

و نُؤمن كذلك بأن استتابتكم باطلة, و صكوك غفرانكم لا تأتي بها مغفرة.