Wednesday, February 19, 2014

لم يموتوا في سانت كاترين.

في 2005 اشتعل حريق في مسرح بني سويف الذي لم يكن مُجهزا بأي تجهيزات متعلقة بالآمان, و لم تكن الدولة على قدر من الكفاءة لتمنع مقتل 32 شخص في المسرح في ذلك المساء الحزين, لم تكن تهتم حقا.

و في 2008 غرق أكثر من ألف شخص في البحر الأحمر و هم في رحلة عودتهم من السعودية,  من هؤلاء الذين ذهبوا ليعملوا هناك مُضطرين أن يعيشوا في غربة للحصول على لقمة عيشٍ لم توفرها الدولة لهم, أو ذهبوا لزيارة بيت الله فلم يعودوا.


و في 2009 مات حرقا أكثر من 350 مصري في قطار الصعيد الذي اشتعل في أثناء رحلة للموت.

بين الحرق و الغرق و الحرق .. حدثت مئات الحوادث الصغيرة على الطرق و في المستشفيات و غيرها .. راح ضحيتها الآلاف. 

الصفات المشتركة بين كل تلك الحوادث الأليمة, هي أن الدولة لم تكترث بهم, لدرجة أن مبارك - رئيسها - تندَّر على غرق العبارة خلال لقائه بمُخبرٍ سري - على أساس أنه مواطن - و نُشر في الإعلام و هو يتحدث بسخرية عن العبَّـارات التي تغرق, 
و أيضا أن كل تلك الحوادث راح ضحيتها مصريون لم يجدوا من دولتهم الرعاية, و أخيرا أنه لم يُعاقب أحد.

و أثناء كل ذلك كان البعض يموت في أقسام الشرطة من التعذيب, ذاع صيت بعض قصصهم لوصولها للإعلام و بعض تلك الجرائم كانت مُصورة, و أشهرهم كانت جريمة قتل خالد سعيد.

و بعد حادثة كنيسة القديسين التي ثار حولها لغط أن داخلية النظام متورطة فيها, قامت ثورة بحثت عن كرامة المصري في وطنه, فانتقل القتل المُتخفي الذي تمارسه الدولة بحق مواطينيها, إلى القتل المُباشر الظاهر, فقتل النظام ما يتخطى الألف مصري في مُحاولة لكسر و قمع المصريين و مطالبهم. 

و رحل مبارك, لكن الصفات المشتركة بقت, فلم يكترث أحدهم بمن قُتل إلا شكلا, و المصريون استمروا يدفعون الثمن, و العقاب لم يحدث فحصل القتلة جميعهم على براءات. 


و بتكرار الحوادث و تكرار القتل المباشر, يتساءل الناس لماذا لا يعمل النظام من أجل حفظ كرامة المصريين و لماذا دمهم و حياتهم رخيصة ؟! ذلك السؤال الذي أعتبره دائما من أكثر الأسئلة سذاجة, فكيف بنظام يقتل مئات الأشخاص بالرصاص الحي في ساعتين أن يكترث بحياة أحد؟

كيف ننتظر منه أن يكترث بأرواح الناس و هو يقتلهم بطريقة مباشرة و مع سبق الإصرار و الترص, و يعذبهم كما يحلو له, و يتعامل معهم و كأنهم تركة حصل عليها يفعل بها ما يشاء !

النظام الذي يدَّعي أنه يُحارب الإرهاب, قتل بطريقة مباشرة أضعاف مضاعفة ممن قتلهم الإرهاب, و تسبب بإهماله و عدم مسئوليته في قتل أضعاف مضاعفة ممن قتلهم الإرهاب, 

فتلك الكوارث التي حدثت مثلا بسبب مشاكل في مزلقانات السكة الحديد لم يعمل النظام على التغلب عليها و إصلاحها, بل صرف ملايين الجنيهات على قنابل الغاز و بنادق الخرطوش و تسليح الداخلية ليفض المظاهرات السلمية, و صرف مئات الآلاف في سبيل القبض علي من يمشي فيها و تلفيق التهم لهم, و نقلهم من مكان لآخر أو إنتقال النيابة للتحقيق معهم. 

تلك الأموال الطائلة التي استخدموها في قمع المتظاهرين السلميين كانوا يستطيعون أن يُصلحوا بها السكة الحديد لترتفع معدلات الآمان بها, أو يزيدوا من ميزانية الصحة لتكون المستشفيات مكانا صالحا للعلاج لا القتل بالإهمال, لكن ذلك لم يحدث. 

دهب, السيدة المصرية التي تم اعتقالها عشوائيا على هامش مظاهرة سلمية, اعتقلوها و هي حامل في شهرها الثامن, و اتهموها بكل تُهمة ممكنة, و قبل ولادتها بيوم سألها وكيل النيابة سؤالا واحد " متى ستلدين ؟ " فأجابت " بعد يومين " فجدد لها 15 يوما, 
ولدت قيصريا في المستشفى و حالتها الصحية في تدهور, بينما يدها مُكلبشة في السرير, و عندما ألقت حملة " الحرية للجدعان " الضوء على حالتها و نشرها الإعلام بطريقة واسعة, خرج اخلاء سبيل لها من النيابة التي نست أنها التي جددت لها منذ ايام قليلة بدون مراعاة لحالتها الصحية, و دون أسباب لأن ليس هناك ثمة تُهمة حقيقية بأدلة لُتسجن يوما واحدا, و جاء اخلاء السبيل متحدثا عن كرامة الإنسان !

مثال لكرامة الإنسان الذي لا يحصل عليها إلا أمام شاشات الفضائيات, ذلك لو حصل عليها من الأساس.

و اليوم.. في سبوع " حرية " بنت دهب قبضوا على المعازيم. 


الذين راحوا ضحية الحادثة الأليمة في سانت كاترين, و التي أهملت الدولة  في توفير الحماية الأولية لهم, أو السرعة في إنقاذهم, لم يموتوا هناك في سانت كاترين, بل ماتوا من قبل ذلك بكثير, حالهم كحال ملايين المصريين, و فقط اليوم أعلنوا وفاتهم.

الجميع كذلك.. في دولة تقتل, لا تنتظر منها أن تكترث لحيوات الآخرين, 
فمن يقتل الناس في سفح الجبل, لن يهتم إذا انهار الجبل ببعضهم.

عندما تكتبون أسماء من راحوا لا تُغلقوا الأقواس .. فمازالت إعلانات الوفاة لم تكتمل.


No comments: